مصطلحات اقتصادية كثيرة تلك التي نسمعها، بعضها قد يكون سهل الفهم واضح الدلالة، والبعض الآخر وبالرغم من أننا قد نردده ونحفظه لكننا نصطدم بحاجز فهم دلالاته واستخداماته، أحد أهم هذه المفاهيم السهلة الممتنعة هو مفهوم الناتج المحلي الإجمالي وهو مصطلح كثر تردده على أسماعنا في الآونة الأخيرة، فما هو هذا المفهوم وكيف نستخدمه؟ وما هي دلالاته ونقاط ضعفه؟ بداية وقبل الشرح فإنه وبالرغم من أن الناتج المحلي الإجمالي مفهوم حديث نسبيا، حيث ظهر مع بدايات القرن الماضي، إلا أنه يُعتبر بالنسبة للكثير من المراقبين واحدا من أبرز المؤشرات الخاصة بدراسة الاقتصاد الكلي للدول، بل هو أيضا بالنسبة لهم أداة أساسية لمحاولات فهم اقتصاديات هذه الدول وتحليل طبيعة ونوع العلاقة الاقتصادية بينها. من حيث المبدأ فإن الناتج المحلي الإجمالي يقيس القيمة السوقية لجميع السلع والخدمات المنتجة في الدولة بما في ذلك القيمة السوقية للخدمات المجانية التي توفرها الحكومات مجانا للشعوب مثل التعليم والصحة والأمن وغيرها، حيث يتم تقدير قيمتها حسب سعرها السوقي، وبالتالي فإن الشرط الأساسي للمنتجات والخدمات التي يتم احتسابها ضمن هذا المفهوم هو أن تكون هذه المنتجات قد تم إنتاجها داخل حدود المنطقة الجغرافية للدولة خلال مدة زمنية محددة، أي أن الناتج المحلي الإجمالي يتضمن النشاط الإنتاجي والخدماتي لجميع المقيمين في الدولة بما في ذلك الأشخاص أو الشركات الأجنبية والعاملة داخل هذا البلد. وبشكل مختصر فإن الناتج المحلي الإجمالي هو القيمة السوقية المحلية لكل الخدمات والسلع النهائية التي يتم إنتاجها داخل الحدود الجغرافية لدولة معينة خلال فترة زمنية محددة، سواء كان قد تم إنتاجها عن طريق أفراد أو شركات، محلية كانت أم أجنبية. أما بالحديث عن أهمية هذا المؤشر وطرق استخدامه فإنه يمكن ذكر أهم استخداماته كما يلي: يُستخدم هذا المؤشر في قياس النشاط الإنتاجي للدول وهو يُعتبر المؤشر الأهم في قياس حجم اقتصادها، حيث أصبح تصنيف قوة الاقتصاد لأي دولة يقوم على أساس حجم الناتج المحلي الإجمالي لها، وهنا تجدر الإشارة إلا أنه حسب تقديرات البنك الدولي للعام 2019 فإن الولايات المتحدة الأمريكية هي الدولة ذات الناتج المحلي الإجمالي الأعلى بقيمة سنوية تناهز الـ 22 تريليون دولار، يليها كل من الاتحاد الأوروبي ثم الصين واليابان، أما دولة "توفالو" فإنها تتذيل القائمة بإجمالي ناتج محلي سنوي يعادل 42 مليون دولار، كذلك فإن استخدام هذا المؤشر يساعد في تحديد قيم سنوية لحجم الاقتصاد، حيث تمكن مقارنتها لتحديد تطور ونمو الدول اقتصاديا، وذلك عن طريق مقارنة الأداء الحالي مع أداء السنوات السابقة، وهو ما يساعد في عمليات التحليل ووضع الخطط الاقتصادية مستقبلا، كما أن هذا المؤشر يساعد أيضا في عملية المقارنة بين الأداء الدول الاقتصادي، وهو ما قد يوجِّه المستثمرين لأسواق دون أخرى. أما أهم نقاط ضعف هذا المؤشر فهي أنه لا يأخذ بعين الاعتبار التأثيرات السلبية لعمليات الإنتاج وخاصة على المستوى الاجتماعي والبيئي والتي قد تتحول لاحقا لعامل ضغط كبير، كذلك فإن هذا المؤشر لا يأخذ بعين الاعتبار العوامل الأخرى المحيطة بعمليات الإنتاج ومدى تأثر هذه العملية بأي ظروف قاهرة أو منافسين جدد من دول أخرى، الأمر الذي من الممكن أن يُعرِّض الاقتصاد لتذبذبات متعددة وهو ما شهدناه في العام 2020 مثلا، كذلك فإن الناتج المحلي الإجمالي وبالرغم من أهميته إلا أنه لا يعكس بالمطلق قوة الدول وقدراتها المالية فبعض هذه الدول وبسبب زيادة حجم مصاريفها قد تواجه تعثرات بالسداد بالرغم من ارتفاع ناتجها الإجمالي. وأخيرا وبرأيي الشخصي فإن الناتج المحلي الإجمالي هو أداة مهمة لحساب القيمة النقدية للمنتجات والخدمات التي تتم داخل الدولة ولكنه بنفس الوقت قد يضم كتلا نقدية لشركات أجنبية تعمل في الدولة وهي مبالغ قد يتم تحويلها للخارج لتُصبح روافد مالية واردة لاقتصاديات أخرى، وهنا تجدر الإشارة إلى أن الاعتماد على مؤشر واحد فقط للتقييم ومهمها بلغت أهميته قد لا يُعبر عن الواقع الحقيقي للاقتصاد وهو ما يُذكرني بالسؤال المهم الذي طرحه الفيلسوف الإيطالي الشهير أمبرتو إيكو «أيمكن التعبير عن أشياء على هذه الدرجة من الاختلاف، بكيفية لها تلك الدرجة من الوحدة؟»