خطوة وطنية لتعزيز اقتصاد المعرفة

في 4 يونيو 2025، أصدر حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني القرار الأميري رقم 19 لسنة 2025 بإنشاء المؤسسة القطرية لدعم الابتكار والبحث العلمي، اللّجنة الوطنية العليا التي تُعَنى بإسناد أنشطة البحث العلمي والابتكار في قطر، وفقًا للقانون رقم 8 لسنة 2025. بحسب نص القرار، تمتلك المؤسسة ميزانية مستقلة وتخضع مباشرة لسمو الأمير، وبدأت فعليًا ممارسة مهامها منذ النشر في الجريدة الرسمية. تأتي هذه المبادرة ضمن رؤية قطر الوطنية 2030 وضمن إطار عمل QRDI 2030 الذي وضعته الدولة منذ عام 2018، لتعزيز البحث العلمي وربطه بالتنمية الاقتصادية والابتكار الاستراتيجي في المجالات الحيوية كالطاقة والصحة والتكنولوجيا الرقمية. وهنا نسرد دور المؤسسة في دعم الاقتصاد الوطني تمويل البحث العلمي التطبيقي تدعم المؤسسة مشاريع بحثية تختارها لجان وطنية ضمن أولويات مثل الطب الدقيق، الطاقة، والذكاء الاصطناعي، وتسعى لتحويلها إلى تطبيقات ومشروعات قابلة للسوق عبر برامج حضانات ومسرّعات الابتكار، ومنح مالية واستشارية بالتعاون مع الجامعات (مثل وايل كورنيل)، وربطها بالسوق والقطاع الخاص. الشراكات الدولية واستقطاب المواهب تسعى المؤسسة لجذب الخبرات العالمية من خلال التعاون مع جهات بحثية دولية وتحويل قطر إلى وجهة بحثية جاذبة وبيئة بحث متقدمة. خلق بيئة ابتكار متكاملة عبر التنسيق بين الجهات البحثية مثل QNRF وQCRI وQSTP ودمجها ضمن منظومة موحدة تُشرف عليها المؤسسة لضمان كفاءة أفضل للموارد. مقارنة بمبادرات دولية. من أين نستفيد؟ المملكة المتحدة – ARIA وInnovate UK • ARIA (Advanced Research and Invention Agency)، تأسست عام 2023 بنمط تمويلي مرن ومستقل يعتمد على المشاريع عالية المخاطر والإمكانات (moonshot funding)، مما يجعلها وسيلة فريدة لتسريع الابتكار العلمي القيمي. • Innovate UK البنية الحكومية الأخرى، تعمل بالتعاون مع UKRI وتقدم تمويلاً موجهًا للشركات والبحث التجاري، ضمن ميزانية تصل إلى مليار جنيه سنويًا تقريبًا، وتوفر بيئة تشجيعية مستدامة . سويسرا – Innosuisse وكالة سويسرية تأسست سنة 2018، مكلفة بربط الجامعات بالقطاع الاقتصادي لتحويل البحث العلمي إلى تطبيقات صناعية. تقدم تمويلًا مشتركًا (عام/خاص)، وتدريبًا وتوجيهًا استراتيجيًا للمبتكرين، وتغطّي مشاريع متقدمة متعددة التخصصات. لذلك أرى بوضوح أن المؤسسة القطرية لدعم الابتكار والبحث العلمي عنصر حاسم في تعزيز الاقتصاد الوطني من خلال تنمية القاعدة المعرفية ودعم المشروعات محلّياً ودولياً. ورغم حداثتها مقارنة بالإصدارات العالمية، فإن توجهاتها مبنية على التجارب المرخص بها دوليًا. والحكمة المستقبلية تقتضي أن تُخصص برامج تمويل عالية المخاطر والإمكانات مثل ARIA. وتعزز الربط بين البحث الأكاديمي والصناعي كما في Innovate UK وInnosuisse. وتضمن تمويلًا طويل الأمد وتعاونًا حكوميًا متعدد السنوات لضمان الاستمرارية. إذا نجحت في استيعاب هذه الدروس وتحويلها إلى سياسات عملية، يمكن لقطر أن تنافس عالميًا ضمن مؤشر الابتكار العالمي، وتسعى نحو موقع متقدم أكثر في قوائم مثل Global Innovation Index، وتقود مشروعات اقتصادية قائمة على المعرفة والبحث والابتكار. بالنهاية أرى ان إنشاء المؤسسة القطرية لدعم الابتكار والبحث العلمي خطوة فارقة نحو ترسيخ اقتصاد المعرفة في قطر، وتفعيل دور البحث العلمي والابتكار في تحقيق التنمية المستدامة. بالاستفادة من مواءمة القوانين، والربط بين البحث والقطاع الخاص، وتوجيه التمويل والتركيز الوطني، يمكن لهذه المؤسسة أن تقود قطر إلى مصاف الدول الريادية في مجال الابتكار والعلوم، وتصبح نموذجًا يحتذى به في المنطقة. والمفتاح هو الاستمرارية، الشفافية، ونقل المعرفة إلى الأجيال الجديدة، حتى لا تتحول الابتكارات إلى مجرد أوراق بحثية، بل إلى نماذج عمل، فرص عمل، ومنتجات وطنية تساهم في الصادرات والنمو.