يعاني مجتمعنا من بعض الأمراض الإدارية والاجتماعية المزمنة والتي أصبحت تمثل عبئًا ماليًا واقتصاديًا، حيث لها تكاليفها الباهظة جدا ولها تداعيات خطيرة على العملية التنموية. ومن الضروري معرفتها ومعالجتها فقد تكون سببا لإهدار مواردنا وتخلفنا الاقتصادي. إن تلك الأمراض لهي نتيجة حتمية للأنظمة الاجتماعية والإدارية التي تحكم بيئة العمل وتدير علاقاتنا الاجتماعية. كما أن تكاليف تلك الأمراض وآثارها لا تنحصر على فرد أو فئة معينة من المجتمع بل تشمل جميع فئات المجتمع ولها أبعاد على الاقتصاد الكلي وقدرة الدولة على تحقيق الأهداف الإستراتيجية بعيدة المدى. ورغم أنها سريعة الانتشار وكثيرة العدوى إلا أن الأمر الأكثر خطورة في هذه الأمراض يكمن في إمكانية تحولها إلى أمراض نفسية تصعب معالجتها. إن أحد أهم تلك الأمراض هو ما يسمى «بالنفاق الإداري» أو بتعبير آخر «المجاملات الإدارية». فعلى سبيل المثال نرى كثيرا من الناس يربطون احترامهم وتقديرهم لأشخاص معينين بناء على مصالحهم الخاصة وليس كمبدأ ديني أخلاقي اجتماعي إنساني. فمثلًا نجد أن المدير أو المسؤول في جهة معينة يعامل من قبل أفراد المجتمع بكل احترام وتقدير ليس لشخصه الكريم وما يتحلى به من أخلاق وصفات قيمة في شخصيته، وليس لمنجزاته العلمية والعملية أو الخدمات التي يقدمها للمجتمع، وإنما لمكانته الوظيفية ومنصبه الإداري. فالعلاقة بينه والمجتمع أصبحت مبنية على أساس الاحترام مقابل مصالح معينة. فالبعض ينظر للمسؤول (الوزير أو الوكيل أو المدير) كمصدر للحصول على بعض المنافع والخدمات، الأمر الذي يفسد المسؤولين خاصة الكفاءات المتدنية. المسؤول صاحب الكفاءة يجب أن يثق في قدراته بحيث لا يتجاوب مع النفاق الإداري من خلال منح مزايا ومعاملات خاصة مقابل الحصول على المجاملات الإدارية كتقريب وترقية الفرد المصاب بفيروس هذا المرض، كما يجب ألا تكون هذه العلاقة بين المسؤول وذلك الشخص المصاب على حساب أطراف أخرى تكون أكثر إخلاصًا للعمل. نظامنا الإداري والاجتماعي أفرز داءً آخر وهو الخوف مما بعد الوصول إلى القمة، أي أن كثيرا منا أصبح يعمل بنظرية الصعود للمناصب العليا فقط ونرفض نظرية «الصعود والهبوط والصعود مرة أخرى». فالنظرية الأولى تؤمن بأن المسؤول عندما يعزل أو يتخلى عن منصبه لأي سبب كان يكون إنسانًا فاشلًا وتنتهي حياته العملية وتتلاشى مكانته الاجتماعية إلى أدنى المستويات. أما النظرية الثانية والتي يؤمن بها الإنسان في المجتمع الديمقراطي المتحضر حيث يرى بأن الهبوط أو ابتعاد المسؤول عن المنصب الإداري لا يمثل أبدًا النهاية ولا يعني بأنه غير منتج وغير قادر على العطاء والمساهمة في العملية التنموية بل هو قوة دافعة وحافز قوي لإثبات قدراته القيادية والرجوع مرة ثانية للقمة. إن انتشار مثل هذه الأمراض في مجتمعنا يؤدي إلى تمسك المسؤولين خاصة غير المؤهلين بمراكزهم الإدارية بشتى الوسائل اعتقادًا بأن حياتهم العملية سوف تنتهي عند فقدانهم للمنصب. وهؤلاء في الحقيقة يسيئون استخدام مراكزهم منذ البداية وذلك خوفًا من فقدانهم لمراكزهم الإدارية. ولو قمنا بتشخيص مثل هذه الأمراض لوجدناها سببًا رئيسيًا لكثير من الأزمات الاقتصادية كما أنها تضع حدًا للتنمية المستدامة، وتساعد على تفشي الكثير من المشاكل الإدارية في كثير من المؤسسات المالية والاقتصادية.