لكل شخص عيده الذي يبحث عنه - حتى وهو يعيش أجواء الأعياد كعيد الفطر السعيد - وبالذات في المجتمعات العربية التي تعاني من زيادة نسب الفقر (11 مليون شخص في العالم العربي يعيشون على أقل من دولار واحد في اليوم)، وارتفاع معدلات البطالة (17% معدل البطالة في العالم العربي وهي أكثر بثلاث مرات من معدلها العالمي)، وتدني معدلات الدخول للأفراد (نصيب الفرد العربي من الناتج المحلي الإجمالي لا يزيد على حوالي 3500 دولار في السنة)، وتراجع نسب النمو الاقتصادي (تتراوح بين 2% إلى 3%). فالعيد بالنسبة لهؤلاء الفقراء أو العاطلين عن العمل، أو محدودي الدخل، يكون عند إيجاد فرصة عمل، أو تبرع جهة ما بكفالة مصاريف تعليمه الجامعي، أو توفير المال للإنفاق على علاج مرضه، أو زيادة دخله ولو قليلا للإنفاق على احتياجات أسرته المتزايدة، أو التخلص من الدين الجاثم على جيبه، أو قدرته على مواجهة ارتفاع أسعار الخدمات والمنتجات والسلع، حيث تنساق الحكومات قبل غيرها لزيادتها بحجة التخلص من الدعم حينا، أو استجابة لمتطلبات خارجية كصندوق النقد الدولي في أغلب الأحيان، أو، أو.. إلخ. وهنا تثير بعض الخسائر المالية العربية في السنوات الأخيرة الحسرة، لأنها لم تستثمر للارتقاء بالواقع المعيشي والاقتصادي من جهة، والأمل باستخلاص العبر والدروس من ضياعها من جهة ثانية، سواء تعلقت بالصناديق السيادية التي خسر بعضها، وبسبب تداعيات الأزمة المالية العالمية في العام 2008 نحو 350 مليار دولار، أو بسبب تراجع أسعار النفط والتي زادت على 340 مليار دولار خلال 2015، أو بسبب الإرهاب وبما يفوق تريليون دولار، وغيرها من خسائر يصعب تقدير حجمها. فلو استثمر 10% فقط من تلك الخسائر لإقامة مشروع مارشال عربي لتغير وجه العالم العربي بالكامل، وأوجد تنمية اقتصادية شاملة حتى مع وجود الخلافات السياسية، التي سرعان ما تتراجع للخلف عندما يشعر المواطنون بأن مستقبلهم واعد، ويشعر الشباب بأن فرصهم في الحياة متاحة ومضمونة. وعليه ما المانع من التفكير بإقامة صندوق جديد، إلى جانب الصناديق السيادية والاستثمارية والمالية والنقدية المنتشرة هنا وهناك، يسمى صندوق الفرح أو صندوق العيد، الذي يركز على الاستثمار في الفرح، من خلال الاستجابة لحاجات ومتطلبات النمو والتنمية الحقيقية، بما يعنيه ذلك من فرص عمل للشباب وطالبي العمل، تؤدي تلقائيا لتخفيض معدلات الفقر، وتساهم بحل معظم قضايا الناس العادية والبسيطة، التي تحولت لمشكلات ضخمة لتجاهلها، بحيث يكون هذا الصندوق محفزا للأفكار الجديدة الخلاقة والمبتكرة والمبدعة، وعندها سيكون لدينا في كل يوم عيد لفكرة، أو إبداع، أو ابتكار. فمشكلتا الفقر والبطالة أهم المدخلات التي يستفيد منها الإرهابيون الذين استطاعوا وهم مطاردون في الجبال والوديان إيجاد فرص عمل إرهابية لمن يعاني منهما، فيما الحكومات، والقطاعات الاقتصادية العامة والخاصة، ومؤسسات المجتمع المدني، والمال العربي، عاجزون عن حل اقتصادي وإنساني لهما ولو بشكل جزئي، مع أن ذلك بالضبط ما تحتاج إليه مجتمعاتنا، فكثير من المشكلات الإضافية بما في ذلك انخفاض معدلات الدخل، ناجمة عن غياب حل حقيقي لهما. المسألة ليست سهلة بالتأكيد، لكن مجرد وجود النية للتفكير بهذه الطريقة، يعتبر عيدا يستحق الاحتفال والاحتفاء، وهو ما يوفر الدافعية والحافز نحو زيادة الإنتاجية، وتحسن الأداء العام، واستثمار الوقت وليس قتله، ويجعل العيد أعيادا.. وكل عام وأنتم بخير.