من أكبر أسرار النظام المصرفي هو عمليات خلق النقود وهي بالمناسبة ليست كما يظن البعض بأنها طباعة النقود ولكنها عملية مركبة تحدث نتيجة لسلسلة من الأحداث تؤدي في النهاية إلى زيادة كمية النقد المعروضة والمتداولة ولكن بدون أصل حقيقي وباختصار هي كما يلي، تمر معظم الأموال في النظام المصرفي والذي يشكل حلقة الوصل الأساسية بين وحدات العجز ووحدات الفائض، أي بين من لديهم حاجة للاقتراض ومن لديهم فائض من المال يضعونه في البنوك على شكل ودائع، وبالتالي فإن معظم الأموال تمر في النظام المصرفي.
فإذا فرضنا أن شخصا ما أودع مئة ريال في البنك الأول فإن البنك سيخصم الاحتياطي الإلزامي للبنك المركزي وليكن مثلا 10% ويكون لديه إمكانية إعادة إقراض 90 ريالا ليأتي شخص آخر ويأخذ الـ 90 ريالا ويودعها في بنك ثان حيث يقوم البنك باقتطاع الاحتياطي 9 ريالات وإعادة إقراض 81 ريال وتستمر القصة لتولد مبلغا كبيرا من أصل المئة ريال الأولى ليصل في النهاية إلى عدد القروض الممنوحة مضاف إليها قيمة الوديعة الأصلية وهذه هي رحلة كل ريال ولكن السؤال المطروح هنا بإلحاح الى أي مدى يمكن اعتماد آليات خلق النقود والوثوق بأنها تخدم الاقتصاد أو تشكل خطرا حقيقيا على البنية الحقيقية للاقتصاد.
من وجهة نظري أجد أن عملية خلق النقود غير الحقيقية مهمة إلى حد ما كأداة في يد السياسات النقدية لتحريك عجلة الاقتصاد في حالات الكساد وشح السيولة كذلك الأمر من خلال الاحتفاظ بنسبة الاحتياطي الإجباري في كل مرة يتم فيها إعادة إقراض المبلغ الأمر الذي يعزز مكانة البنك المركزي كضامن للقروض والودائع، ولكن من ناحية أخرى أجد أن النقود غير الحقيقية قد تؤدي إلى فقاعة نقدية يمكن أن تنفجر بأي وقت إذا ما توجه المودعون إلى سحب ودائعهم لأي سبب كان وهذا وارد، لذلك لزم العمل على إيجاد توازنات نقدية لدى البنوك تضمن مستوى عرض نقد حقيقي نسبي متوازن، ولا بد من الإشارة هنا إلى نسب رأس المال التي يطلق عليها نسب بازل التي تحكم القطاع البنكي العالمي والتي تتراوج بين 13 إلى 15% في بعض الأحيان كنسبة لكفاية رأس المال بالنسبة للودائع، والخلاصة أن جزءا لا بأس به من الأموال الموجودة في الأسواق هي أموال رقمية يتم خلقها من قبل الجهاز المصرفي وليست أموالا حقيقية تم طبعها وطرحها في الأسواق إذن لا بد من التعامل بحذر وبتوازن مع هذه الآلية حتى يتم الاستفادة منها وعدم التعرض لآثارها السلبية.