الاقتصاد الإبداعي كمحرك للنمو الاقتصادي

يمكن القول إن الاقتصاد الإبداعي بالنسبة للأشخاص أو الدول يعني ببساطة مدى تحويل الهواية أو الإبداع الشخصي إلى تدفق نقدي واستخدام الحلول غير التقليدية والإبداعية في حل المشكلات الاقتصادية. يقول الخبير الاقتصادي الأمريكي جون هوكنز: "لقد أصبح ذوو الأفكار، أي أولئك الذين يملكونها، أكثر نفوذا ممن يشغلون الآلات". وحديثًا، ومع زيادة أهمية استخدام تكنولوجيا المعلومات، ومع تقدم وسائل الاتصال، بدأت تظهر الحلول الاقتصادية الإبداعية حول العالم، فمثلاً في تركيا، حيث صناعة القمامة وإعادة تدويرها بصناعات مفيدة. وفي السويد شركة IKEA التي يوجد لديها 2000 موزع في 67 دولة و136 فرعًا في 28 دولة بدأت برغبة جامحة من قبل بائع كبريت اسمه إنغفار كامبراد حَوَّلَ حلمه إلى واقع من خلال التحول إلى صاحب أكبر شركة أثاث عالمية، وعندما تزور متجر الشركة في أي فرع حول العالم تجد نفسك وكأنك في السويد، البلد الأم للشركة، حاولت الشركة توفير كل سبل الراحة للعميل من خلال طريقة عرض المنتجات أو حتى فتح مطعم خاص في المتجر، ومن خلال المطعم يتم تسويق أنواع الطعام السويدي، فهو ليس متجرًا وليست مجرد شركة، إنما هي خير سفير للاقتصاد السويدي ونموذج للإبداع الاقتصادي في الشركات في العالم. وقد بلغت القيمة المالية العالمية لاقتصاد الإبداع خلال السنوات الأخيرة أكثر من ثلاثة تريليونات دولار، وهي تنمو بمعدل 6 في المائة سنويا، وتستثمر الشركات الأمريكية نحو تريليون دولار سنويا في المنتجات الثقافية غير الملموسة، وهو يساوي الاستثمار السنوي في الزراعة والميكنة، وأسهمت الصناعات الأمريكية المعتمدة على حقوق النشر في الاقتصاد الأمريكي أكثر من أي صناعة أخرى، أي أكثر من الصناعة الثقيلة والسيارات والطائرات والطعام والشراب. وتأتي بعد الولايات المتحدة في الاقتصاد الإبداعي اليابان التي تنفق إنفاقاً عالياً في البحث والتطوير، وتستهلك بقدر عال من الصحف والتسلية الإلكترونية والكتب والسينما، ويعمل في أوروبا في مجال الاقتصاد الإبداعي أكثر من ستة ملايين شخص، وتزدهر اليوم الأعمال اليدوية في سوق الفن وفي السياحة والترفيه، وتبلغ قيمة هذه السوق في الصين 15 مليار دولار، ويساوي الاقتصاد العالمي في مجال البرمجيات 600 مليار دولار، ويساوي اقتصاد تصميم الأزياء 60 مليار دولار، وتبلغ قيمة السوق العالمية للكتب والمجلات والصحف 126 مليار دولار. وليس المقصود هنا بالإبداع هو أفكار أو مستوى جودة منتجات الشركة، إنما الإبداع في التسويق وطريقة العرض ورسالة ورؤية الشركة، فالاقتصاد الإبداعي اليوم قطاع رئيسي ومهيمن في مجال المهن والأعمال والتجارة والاقتصاد، وأصبح المقياس الأساسي للتقدم الاقتصادي، وكما شاهدنا، فإن المشاكل الاقتصادية وقلة الموارد تكون دافعًا هاما للخروج بحلول اقتصادية إبداعية تؤدي إلى تحقيق التنمية في شتى دول العالم.