عشرات السفن السياحية والترفيهية التي تمخر عباب النيل ما بين أسوان والأقصر تعتمد عليها عشرات الوظائف والمهن والأعمال، وتحولت إلى مصدر دخل مهم لشريحة واسعة من المصريين، فقرى النوبة وأسواقها، والقوارب السياحية، وعربات الخيل "الحنطور"، ووسائل النقل... تعتمد على أفواج السياح والبرامج المعدة لهم في رحلاتهم على هذه السفن، وتنقلاتهم بين القرى والمعابد والآثار والمعالم السياحية المتناثرة في هذه البقعة الغنية بها، كما أن سوق القوارب المتحركة بصحبة السفن السياحية تعرض المنتجات والسلع والبضائع المحلية والحرف اليدوية على المسافرين، هذا فضلا عن العاملين فيها وملاكها والمساهمين في الاستثمار فيها، والفنادق والمقاهي والمطاعم بأنواعها، إنه سوق السياحة والسفر نام ومزدهر ومستدام وتعتمد عليه الكثير من الأوردة والشرايين والأنشطة الاقتصادية. في لقائنا بسعادة سفير سلطنة عمان في القاهرة، على مأدبة غداء، تناول حديثه عددا من الصعوبات والإشكالات الاقتصادية التي تواجهها مصر، مقترحا أهمية تخصيص وتوجيه جزء معتبر من الاستثمارات الخليجية إلى السوق المصري الواعد والحيوي بقوته الشرائية الضخمة، ولمساعدة القاهرة على تجاوز المشاكل التي تعاني منها خاصة في ظل ارتفاع أسعار السلع وتراجع الجنيه المصري، مشيرا إلى أن الحكومة المصرية تدعم "رغيف الخبز لوحده ما يزيد عن ثلاثة مليارات دولار"، وأضاف قائلا بأن الحكومة تبذل ما في استطاعتها للتخفيف من آثار الفقر على الشعب، ولكن التركة ثقيلة والعديد من المشكلات الاقتصادية تفاقمت على مدى عقود من الزمن وليس من اليسير معالجتها في ظرف فترة زمنية وجيزة، وبشأن العاصمة الإدارية الحديثة، فالكثير من المصريين المعدمين يعتقدون بأنها ليست من الأولويات في ظل الضائقة التي يمرون بها، فمعالجة أزمة الفقر يجب أن تكون مقدمة على المشاريع التنموية مهما كانت أهميتها. في شوارع القاهرة تعلن وسائل النقل في مشاهد جلية عن حقيقة تعدد الطبقات والشرائح الاجتماعية وانتماءاتها إلى قائمة من المستويات والإمكانات المادية، الثرية والفقيرة والمعدمة ودرجات عديدة بينهما، فمن ماركات الروز رايز والمرسيدس والبي ام دبليو والبورش إلى الفئات المتواضعة جدا، ومن السيارات إلى الدراجات الهوائية والنارية والحنطور والتكتك إلى عربات الخيول والحمير، ومن أحدث الموديلات في صناعة السيارات إلى الماضي البعيد قبل عقود طويلة من السنوات... تضج الطرق بأشكال وأنواع من المركبات وعربات النقل وظهور الحيوانات التي تستخدم لهذا الغرض مما لا مثيل له في الدول والمدن الأخرى من العالم. الأسواق العامرة بالمتسوقين في تعدد أغراضها ومواقعها والفئات المستهدفة - أصحاب المال والأعمال والسياح ومتوسطي الدخل ومحدوديه... - والمدن السكنية والقصور والأعشاش والبنايات العصرية والأخرى المهترئة والآيلة إلى السقوط هي كذلك تعبر عن التباين العميق بين فئات الأثرياء ودرجات الفقراء. أما أسعار اللحوم والفواكه والخضراوات المحلية التي ينتجها الريف المصري فبعيدة عن قدرات ومتناول أصحاب الدخول الضعيفة، والكثير من المصريين محرومون منها، ومعظم السلع الأخرى الأساسية تشهد ارتفاعات متواصلة خاصة مع وصول التضخم إلى مستويات عالية وتراجع الجنيه المصري، وما تزال تكلفة الإقامة في فنادق الخمسة والاربعة نجوم عالية جدا ويصعب على السائح العادي الإقامة فيها لفترات طويلة، فإلى متى سيتمكن المواطن المصري المعدم، من تحمل تكلفة متطلبات الحياة المستمرة في الارتفاع؟. "يتبع".