الحاجة لتنويع مصادر الدخل وإعادة هيكلة الاقتصاد أصبحت أمرا جوهريا وضروريا لمستقبل الاقتصاديات المعتمدة على ريع مورد واحد، للسير قدما. وتؤكد دراسات المؤسسات الاقتصادية الدولية مثل البنك وصندوق النقد الدوليين الرباط الوثيق بين تنويع مصادر الدخل وزيادة النمو الاقتصادي المتوازن في الدول الأقل نموا والمتوسطة، وأكثر دول العالم حاجة لتنويع مصادر دخلها وزيادة التنوع الاقتصادي لقطاعاتها الاقتصادية المختلفة الدول المصدرة للنفط خصوصا تلك التي تعتمد عليه كمورد اوحد. ولعل دولة قطر والتي تعتبر من أصغر دول الخليج وأغناها في الوقت نفسه قدمت رؤية جديرة بالاعتبار حول تنويع مصادر دخلها. إذ بدأت قطر في تنويع اقتصادها من النفط الخام مرورا بالغاز إلى الصناعات البترولية وتنويع الاستثمارات الخارجية وذلك للتواؤم مع التغيرات في الاقتصاد العالمي. استبقت قطر دول المنطقة في وضع استراتيجية طويلة المدى فقد بدأت منذ عام 2008 في وضع استراتيجيتها الوطنية (رؤية قطر الوطنية 2030) التي تهدف إلى الالتزام بزيادة الرفاه للمواطنيين القطريين والحماية الاجتماعية لهم واقتناص الفرص في الاقتصاد العالمي. سياسة تنويع الاقتصاد القطري تجري وفق متابعات مستمرة من سمو الأمير الشيخ تميم بن حمد، ويمكن الاستدلال على ذلك بالتوجيهات التي أصدرها بعد بدء انخفاض أسعار النفط في عام 2014 حيث أصدر توجيهات لرئيس مجلس الوزراء لوضع خطط تتضمن جدولا زمنيا واقعيا لحل قضايا المخازن والمناطق اللوجيستية، والمناطق الاقتصادية، وخطة التصنيع وترخيص المصانع اللازمة للدولة مع قائمة بالصناعات غير المرغوب فيها إلا باستثناء. وأكد الأمير في خطابه الأخير أن تنويع مصادر الدخل أصبح أمرا ملزما ومحتما ولا مجال للتهاون فيه. وتهدف قطر بالاستثمار في الخارج عبر الصندوق السيادي جهاز قطر للاستثمار إلى تنويع مصادر الدخل وتعريف اقتصادها للعالم وجني الأرباح في حال هبوط أسعار النفط، وقد نجح الصندوق الذي يحتل المرتبة التاسعة عالميا على مستوى الصناديق السيادية في العالم أن يجعل الاحتياطيات والاستثمارات القطرية تصل إلى أكثر من 250 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي. هناك جانب آخر سيزيد من فرص دولة قطر في تنويع مصادر اقتصادها وهو قيام كأس العام 2022 والذي يعني فعليا ضخ مليارات في البنية التحتية لاستقبال كأس العالم لكنه في الوقت نفسه يعني بنية تحتية لجذب مستثمرين جدد، كما أن كأس العالم سيحقق لقطر وفورات مالية ضخمة وأرباحا تغطي التكلفة الإنشائية بجانب أن كأس العالم سيزيد من سمعة وتصنيف دولة قطر لدى البنوك العالمية ويحقق لها مكانة علية في العلاقات الدولية. يبدو أن دولة قطر أصبحت مثالا يحتذى في تنويع مصادر الدخل لمواجهة التقلبات الاقتصادية بعيدا عن المصدر الواحد عبر القيمة المضافة للنفط بالصناعات البتروكيميائية وصناعة الصلب والاستثمار في الغاز الطبيعي الذي شهد طلبا كبيرا في السنوات الأخيرة وزيادة الاستثمارات الخارجية والاستثمار في المعرفة.