الطاقة تنتجها الأفعال لا الأقوال

الطاقة تنتجها الأفعال لا الأقوال في دول الغرب الذي تتمنّع الشمس فتخرج يوماً وتغيب شهوراً، يعكفون على دراسة أفضل الأساليب للاستفادة من الحرارة والضوء من أجل التنمية والرفاه، وهذا طبيعي. أما في بلداننا حيث نعانق أشعة الشمس ونكتوي بحرارتها معظم أيام السنة، فإننا نلوذ بالتذمر من شدة الحر، ونكتفي بما ينتجه ذلك العالم المتقدم من وسائل لتكييف الهواء وعزل الحرارة والضوء. كان أجدادنا في منطقة الجزيرة العربية يكابدون حرارة الشمس والتدفق الفائض من الضوء، فدفعهم ذلك للبحث في أساليب تخفيف الحرارة وتقليل نفاذ الضوء، كما كان أجداد الشعوب الأخرى في الدول الباردة يعانون البرد وشحة الأشعة الشمسية فقادهم ذلك للبحث عن الدفء والضوء، وهو ما انعكس على طريقة البناء واللباس والزراعة عندنا وعندهم. اليوم، ومع كل هذا التقدم العلمي والحاجة الملحة لإنتاج الطاقة والحفاظ على البيئة، يجب أن نتساءل ما هو موقف دول المجلس من تنويع مصادر الطاقة؟ على مستوى الأفراد تمكن ملاحظة ازدياد التوجه نحو الاستفادة من الطاقة الشمسية، وربما بنفس المستوى هناك توجه لدى بعض المؤسسات والشركات للاستفادة منها وتقليل مصاريف استهلاك الطاقة الكهربائية العادية، وهذا أمر حسن بكل تأكيد. ولكن الأحسن من ذلك أن تتبنى دول المجلس مشروعاً متكاملاً لإنتاج الطاقة الكهربائية من المصادر المتجددة، فذهاب الدول في هذا الاتجاه هو ما يصنع الفرق، لا الأفراد ولا المؤسسات. نحن على يقين من أن الدول المتقدمة تمارس نوعاً من التكتم على الاكتشافات العلمية التي من شأنها التأثير بشكل حاد على اقتصاداتها، وتمنح نفسها الكثير من الوقت للخروج بهذه الاكتشافات إلى العلن شريطة ضمان استقرار أوضاعها الاقتصادية وغير الاقتصادية، ومن بين ذلك الابتكارات والاكتشافات المتعلقة بقضايا الطاقة لتأثيرها المباشر والقوي. وإلى أن نصل إلى المنافسة في الجانب العلمي فإننا مضطرون إلى تلمس طريقنا بالإمكانات العلمية المتاحة، وإلى الاستجابة إلى المعطيات العلمية الحالية بواقعية. ومن بين ذلك حقيقة وجدوى لجوء الدول المتقدمة إلى الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في إنتاج الطاقة الكهربائية، فحسب تقرير لمركز الأبحاث المشتركة التابع للمفوضية الأوروبية فإن طاقة الرياح توفر 8% من استهلاك الطاقة الكهربائية في دول الاتحاد الأوروبي، أي مجموع ما تستهلكها بلجيكا وهولندا واليونان وأيرلندا، ويتوقع أن ترتفع النسبة إلى 12% عام 2020، بينما بعض الدول الأوروبية تنتج عبر الرياح 40% من استهلاكها من الكهرباء. صحيفة «فايننشال تايمز» ذهبت إلى أن المملكة قد تصبح قريباً أكبر منتج للطاقة الشمسية البديلة في العالم، بحيث تحقق فائضاً يمكنها من تزويد أوروبا ومصر بالطاقة، ومن بين خططها لإنتاج هذه الطاقة مشروع إنشاء محطة بقدرة إنتاجية تصل إلى 41 غيغاوات عام 2032. وإذا كان من الإنصاف الإشارة إلى أن المملكة العربية السعودية - التي تتمتع بمعدل سطوع شمسي مرتفع جداً- سبق أن أعلنت تخصيص أكثر من 100 مليار دولار لاستثمارها في مصادر الطاقة المتجددة، معظمها يتركز في مجال الطاقة الشمسية، فإن من تمام الإنصاف أن تسبق أعمالُنا أقوالَنا وأن نشهد إنجازات حقيقية على أرض الواقع. الخلاصة: يتجه العالم نحو الطاقة المتجددة لأسباب كثيرة من بينها الحفاظ على البيئة وتقليل الاعتماد على النفط والغاز في إنتاج الطاقة الكهربائية، وتمتلك دول المجلس فرصة كبيرة لإنتاج الطاقة من مصادر متجددة ومنها الطاقة الشمسية (الحرارية والضوئية) وطاقة الرياح، وإن التسارع في التقنيات الخاصة بإنتاج الطاقة الكهربائية من الشمس والرياح يعزز من الجدوى الاقتصادية لهذا الإنتاج. naser.alhusein@gmail.com