الإنتاجية وعوامل التأثير فيها

يختلف مفهوم الإنتاجية عن الإنتاج. فالإنتاج مؤشر كمي، أي يأتي إجابة على سؤال يبدأ بـ كم. مثلا، كم أنتج المصنع وكم أنتج الاقتصاد. أما الإنتاجية فهي مؤشر نسبي، ويأتي إجابة على سؤال يبدأ بـ ما. مثلا: ماهي إنتاجية العمل أو ما هي إنتاجية من ساهم في الإنتاج. فحينما نقيس إنتاجية العامل نقوم بعملية قسمة حسابية لمخرجات الإنتاج أو الكمية المنتجة على عدد العمالة أو على عدد ساعات العمل لنحصل على إنتاجية العامل الواحد أو الساعة الواحدة للعمل. ويمكن أيضا أن نقول إنتاجية الريال الواحد المستثمر في أي عملية استثمارية وذلك بقسمة إجمالي الإيرادات على الأموال المستثمرة، وهكذا. وهناك عوامل كثيرة تؤثر على مؤشر الإنتاجية. فلنبدأ من القيادة والإدارة والتخطيط، فلاشك أنها من المؤثرات المهمة على الإنتاجية. فالعوامل القيادية والإدارية مثل مراقبة ومحاسبة وتقييم العاملين أو تحفيزهم وتوجيههم وتنمية مهاراتهم بالتدريب وتراكم وتنوع الخبرة والمعرفة لأمر مهم في دفع إنتاجيتهم وملء كل مساحات العمل المخططة، وذلك مقارنة بالمستويات المطلوبة للإنتاج لكل عامل وموظف. كما أن التوصيف الوظيفي الواضح والمعد بشكل حرفي ومدروس هو أيضا من أهم أدوات تخطيط العمل وتعريف العامل أو الموظف بما هو مطلوب منه وبما يملأ كل مساحات الطاقة الوظيفية لديه وبما سيحاسب عليه. ما يبرز أيضا في موضوع الإنتاجية ما يعرف بحيز العملية الإنتاجية، أي أن الإنتاج المخطط له حيز من عدد العمالة وساعات العمل ، وأيضا حيز من عوامل الإنتاج الأخرى كرأس المال والأصول الثابتة. فلو زاد عدد العمالة أو الموظفين عن الحيز المطلوب (أي عمالة فائضة) وذلك لتحقيق مستوى إنتاج معين فهنا سيبرز ما يسمى بقانون تناقص الغلة، أي انخفض الإنتاج بالنسبة للعامل الواحد وساعة العمل الواحدة. نتقدم خطوة أخرى لنتعرف على عامل آخر يؤثر على الإنتاجية ولكن على مستوى الاقتصاد الكلي، وهو مدى تموضع وتمركز سلعة معينة في تحديد مصير الاقتصاد. بمعنى، أنه لو أن دولة ما أصبحت تحصل على قيمة سوقية عالية وإيرادات من سلعة منتجة محليا وبشكل يفوق فيها على إيرادات أخرى من سلع اعتادت أن تنتجها، فإن السلع الأخيرة ستأخذ اهتماما أقل وستشهد ضمورا في الإنتاج بسبب التحول إلى السلعة الأولى ذات المركز الاستراتيجي وهذا الضمور يسمى بالمرض الهولندي، حيث تتلاشى قطاعات مهمة في الاقتصاد نتيجة لهذا التمركز العالي للسلعة الاستراتيجية. الأمر الذي يؤدي إلى فقدان إنتاجية مهمة من القطاعات الأخرى التى كان من الممكن أن تضاف إلى الاقتصاد. ويشتق من الفقرة السابقة ما سمى بالاقتصاد الريعي أو الاقتصادات المعتمدة على سلعة واحدة (النفط مثلا) وتكون القيمة السوقية لها أكبر بكثير من تكلفة المساهمة الإنتاجية لعوامل الإنتاج المستخدمة لإنتاجها. والحذر يأتي هنا من أنه لو أخذت تلك السلعة الريعية ركيزة أساسية في طبيعة أداء الاقتصاد، فقد تؤدي إلى تغييب وتعطيل شعور الاهتمام والبحث عن بدائل استراتيجية أخرى وكذلك بناء قواعد اقتصادية منتجة ومتنوعة ضمن اقتصاد البلاد. فمع تعاظم الإيرادات من تلك السلعة الريعية سيحدث الهدر وقلة المبالاة وغياب جدية المحاسبة وأيضا قلة الإنتاجية، ذلك بسبب تنامي الشعور الاتكالي على استمرار تدفق إيرادات السلعة الريعية، وقيامها بملء المساحة الفاقدة من إنتاجية العمل في كافة أوجه الاقتصاد. ونلفت الانتباه إلى ضرورة الاهتمام بقياس إنتاجية العامل وخاصة في المجال غير النفطي.. لذلك فإن أهمية الإنتاجية تكمن في قوة ارتباطها بالكفاءة الاقتصادية، فكلما كانت الإنتاجية عالية كانت الموارد تستغل بشكل أفضل. كما أن هناك ارتباطا وثيقا بين الإنتاجية والتنمية الاقتصادية. فالدول التى يكون فيها إنتاجية العامل عالية ستكون ذات تنمية اقتصادية عالية بسبب تعبئة كل مساحات طاقة العمل اللازمة للإنتاج دون هدر (مثلا: التسيب والاستهتار في العمل) أو إسراف (مثلا: عمال فائضة).