زمَن "ابن النادي..!"

في أيام سادت ثم بادت، برز على المشهد في الأندية العربية وصف ابن النادي للتفريق بين اللاعب الذي التحق بناديه منذ نعومة أظافره ثم استمر، وبين لاعب تم استقطابه من ناد آخر.. وانعكست أهمية هذا الوصف حتى على أسماء الوظائف الإدارية والفنية، ووصلت الحماسة في هذه النقطة درجة تحولها إلى عائق أمام اداريين ومدربين.. * ومازلت أتذكر مدرباً لأحد أندية عدن لاحقه وصف أنه يشبه البطيخة، من خارجها أخضر لأنه يدرب نادي الأخضر العدني الوحدة ومن داخله أحمر، لكونه كان عاشقا لنادي التلال بقمصانه الحمراء.. والحكاية لاتخلو من التشكيك في حجم ولائه لناديه الجديد.. وحدث ذلك رغم أن ليس هناك مدرب في العالم يبحث عن خسارة ناديه الجديد بحجة عشقه لناديه القديم،وكما هو معلوم، كارثة أن يكون هناك من يفكر بهذه الطريقة،خاصة في مباريات الدربي بإثاراتها الجماهيرية الصاخبة.. * كان ابن النادي مختلفا بحسبات المغرم والمغنم..حيث عليه أن يتحمل الصعوبات وصور القصور المادي للنادي، هذا هو قدره، وهذا واجبه لأنه باختصار "ابن النادي.." وعلى ابن النادي لاعبا كان أو مدربا أن يتحمل ويقدر الظروف أكثر من غيره، فأهل البيت مطالبون بتحمل الظروف الصعبة وامتصاص التعب أو الإحساس بعدم التقدير داخل بيت العائلة.. * وكان يحدث إذا أوكلت مهمة لابن النادي في مجال التدريب ولو على حساب كادر آخر أن تسمع من يقول لك.. صحيح صاحبنا أقل قدرات تكتيكية ومعرفية ولكن "معليش"،هذا ابن النادي، ولسان حالهم، أهل البيت احق باللبن والزبادي..! * أما اليوم، وبعد أن تمت إزالة مفردة الهواية حتى من أدبيات الاتحاد الدولي لألعاب القوى نفسه، وهو المسؤول عن رياضة أُم الألعاب فقد انقلب الأمر رأساً على عقب، وتوارت اهمية الهواية حتى الاختفاء، ولم يعد لذلك قيمة في سوق الأرقام والعواطف أيضا.. صار السائد أشبه بانتزاع سطور من كتاب الأمير وميكافيلية " إللّي تكسب به إلعب به" بل واصرف عليه دم قلبك حتى بالنسبة للأندية التي تصعب أحوالها المادية على الكافر والزنديق.. * ومن عاشوا الزمن الرياضي القديم يتذكرون لاعب النادي الذي يوفر من مصروفه الشخصي قيمة قميص أو حذاء اللعب لناديه.. وكلما كان اللاعب ابناً للنادي زادت مسؤوليته وحماسه وتضحياته في هذا الجانب.. ولسان الحال.. "معليش.. اتعب وعاني وادفع فأنت ابن النادي"، وإذا لم يقدِّر ابن النادي ظروف ناديه فمن يقوم بذلك..! * واليوم ومنذ أصبح الاحتراف لازمة، لا تصح الرياضة والمنافسات إلا بها صار ابن النادي الحقيقي هو أفضل اللاعبين موهبة ونجومية في سوق التنافس حتى لو لم يمر على تاريخ التحاقه بالنادي غير لحظة التوقيع على العقد.. * صار ابن النادي هو كل من يرتدي قميصه ويدافع عن ألوانه، والحاكم بأمره هو قيمته في سوق اللاعبين وبورصة الانتقالات، وقدرته على صناعة الفارق في المباريات من خلال التمريرة الذكية وصناعة الهدف ومنع هدف وهز شباك المنافس.. وحتى اللاعب نفسه وهو يقدم عصارة بدنه ومهاراته وعرقه لناديه الجديد إنما يلعب وفي باله أن يستثمر في قلوب وعقول ناد آخر أكثر شهرة وقدرة على الدفع، وسرعان ما يلمع في الأرجاء خبر التوقيع لناد آخر مع اكتمال مقومات صفقة مربحة للمشتري والبائع.. * ولا غرابة.. هذا هو منطق البزنس في زمن احترافي صارم. *كاتب يمني