فكرة الانتقال من الحالة الجيدة الى الحالة السيئة كانت وعلى مرِّ العصور موضوعا هاما يشغل بال الناس والمُجتمعات، بل وغالبا ما كان يُشكِل عامل ضغط وخوف دائم لدى البعض، سواء كان ذلك على مُستوى اقتصادي او مادي أو حتى اجتماعي، فالتطور والتحسُّن هو الهدف الدائم للجميع وهو المقياس الذي يعتبره الناس حقيقة النجاح والتطوُّر، فـ "لا تراجع" و" لا عودة للوراء" كانت دائما شِعارات مُلهِمة للأفراد والجماعات التي دائما ما كانت تحلم بالتقدم والنمو، وهو الامر الذي ساعد وبشكل مباشر في تشجيع الناس وتحفيزهم على التعاون والعمل الجماعي رغبة منهم في التطوير الدائم للوصول بكل ما حولِهم من موارد وأعمال لأفضل حالات الإنتاج والتصنيع، نعم فالإنسان ذلك الكائن الحالم الطموح كان دائما ما يعكس أفكاره ومعتقداته على بيئته، فها هي المساكن تنتشر في كل البِقاع، وها هي التكنولوجيا تجوب الأرض ذهابا وإيابا، وها هي المعارف والعلوم تنتقل من مكان الى آخر بحثا عمن ينطلق مما وصلت اليه ليزيد عليه ويكتشف ما كان مجهولا، حدس انساني وطبيعة بشرية لا تقف عند الواقع بل تعمل على تغييره وتحسينه بما يتناسب مع احتياجاتها وقدراتها وموارِدها المُتاحة، وهو الأمر الذي خلق أعداء كُثُرا للناس والشعوب، فها هو الكسل عدُّوهم الأول وها هو الجهل عدُوُّهم الثاني وغيرهم الكثير والكثير ولكن وعلى المستوى الزراعي وهو المستوى الأهم لتأمين موارد العمل والانتاج كان التصحُّر غالبا هو صاحب المواجهة الأولى مع المجتمعات ليُشكِل مع عدم القُدرة على استغلال جميع الأراضي الزراعية في العالم التحدِّي الأهم والأكبر لدى المنتجين والزراعيين، وهو الأمر الذي شجّع الناس على حمل لواء زيادة المساحات الزراعية المُتاحة والتحوُّل الى زيادة المساحات الخضراء بإطلاق حملات بيئية وتوعوية تنطلق بلونها الأخضر من حقيقة ازدياد الحاجة الدائمة للإنتاج والموارد الزراعية، والتحدي الكبير القائم على مبدأ القدرة على تأمينها، وهنا يأتي السؤال المهم، فما هو التصحُّر؟ وما هي أهم أسبابه؟ وما هي طرق معالجته وتقليصه؟ وهل موجود في عالمِنا العربي والعالم؟ أولا وقبل كل شيء فإنه من المهم جدا معرفة انه وبالرغم من أن التصحُّر هو عدو الزراعة الأول، إلا أنه غالبا ما يُساء فهمه باعتباره يتمثل فقط في توسُّع رقعة الصحاري الموجودة في أي منطقة، علما بأنه يشمل وبشكل كبير تحويل الأراضي الزراعية الى أراض شبه قاحلة او غير مُستغلة، وبالتالي فإن تأثيره غالبا ما يكون طويل الاجل ومُستداما وهو ما يجعله العامل الأخطر الذي يُهدِّد الزراعة في العالم، أما من حيث التعريف فالتصحُّر هو ظاهرة تدهور الأراضي في المناطق القاحلة، وشبه القاحلة، والجافة شبه الرطبة، نتيجة عوامل متنوعة تتضمن التغيّرات المناخية والأنشطة البشرية، حيث يؤثر هذا التدهور في قدرة هذه الأراضي الإنتاجية والاقتصادية والبيولوجية الكامنة، مما يؤدي إلى فقدان الحياة النباتية والتنوع الحيوي بها، ويؤدي ذلك إلى فقدان طبقة التربة السطحية ثم فقدان قدرة الأرض على الإنتاج الزراعي ودعم الحياة الحيوانية والبشرية، وبشكل بسيط فإن التصحُّر هو ان تتحول الأراضي الزراعية في بعض المناطق الى أراض غير مُنتِجة وغير صالحة للاستغلال الزراعي أو الحيواني، وهو ما يؤدي الى تقليل الإنتاج الزراعي او خفض نسبة التنوُّع البيولوجي عبر تراجع اعداد وأنواع النباتات والحيوانات، بالإضافة لتأثيره المُباشر أيضا في تدهور الثروة المائية عبر اهدار الماء وجفاف الآبار والينابيع. وبالحديث عن أهم أسباب التصحُّر حول العالم فانه يُمكِن تلخيصها بعدة عوامل، منها عوامل مناخِّية، وأهمها عاملان أولهما هو نقص الموارد المائية التي تعتبر مصدرا حيويِّا للنباتات والحيوانات والبشر، ويؤدي تقلصها إلى تدهور التربة وفقدان التنوع البيولوجي، وثانيهما هو الجفاف وتغيُّر المناخ الذي يؤثر على نمط هطول الأمطار في منطقة معينة وهو ما يساعد على تغيُّر درجات الحرارة، مما يزيد من جفاف الأراضي ويسهم في زيادة التصحر. وبالانتقال الى أسباب التصحُّر الإنسانية فإنها تتمثل في عامل رئيسي وهو الاستخدام غير المستدام للأراضي أو سوء إدارة المساحة الزراعية والتي تتضمن كلا من القيام بزراعة نباتات غير ملائمة أو احتجاز غير فعال للمياه وإفراط في الرعي، مما يؤدي إلى نضوب الموارد الطبيعية وتدهور التربة عبر خفض درجة خصوبتها. وأخيرا وليس آخرا فإنه وبرأيي الشخصي فإن التصحُّر هو خطر حقيقي يواجه البشرية، فنحن وفي خضّم بحثنا عن مكاسب عديدة إلا أننا قد نفقد بعض أهم مقومات الإنتاج والتطور وهو الأراضي الزراعية التي تعطينا المواد والموارد اللازمة لأي عملية انتاجية، وهو ما يجعل من رفع مستوى الوعي والثقافة الزراعية لدى المزارعين، بالإضافة لدعمهم وتشجيعهم على العمل الزراعي، مع القيام بحملات دائمة للتشجير والترشيد في استخدام المياه عوامل أساسية لبناء مجتمع مُتطوِّر قادر على مواجهة تحدِّيات المستقبل، وهنا أتذكر الحديث الشريف الذي يقول "إِن قامَت عَلَى أحدِكُمُ القِيامة وفي يدِه فَسِيلَة فليغرِسها".