الثابت والمتحول

توالت تقديرات محللي السوق النفطية حول الوضع المتوقع لمعدلات الاسعار حتى نهاية العام وكانت في الغالب تميل الى الاستقرار مع ارتفاع طفيف متجاوزة 40 دولارا للبرميل، واحتمال المخاطرة أن تتراجع الى ما فوق الثلاثين دولارا، وذلك في انعكاس لوضع الطلب غير المطمئن. وبما ان الاسعار تتأثر عادة بوضع العرض والطلب وهي في الوقت الحالي تتحرك بفعل ثلاثة عوامل: أولهما اذا انطلقت موجة ثانية من فيروس الكورونا، وثانيهما الى أي مدى سيكون فصل الشتاء دافئا أو باردا بصورة قارصة، وثالثهما حجم الامدادات في السوق. ومن الواضح انه ليس لأوبك وحلفائها من الدول خارجها أي سيطرة على العاملين الاوليين، بينما تأثيرها يظل محدودا بالنسبة لحجم الامدادات التي تقوم بتدفقها الى الاسواق. ولعل في تراجع الاستهلاك في جانبي وقود الطائرات والبنزين وهما المرتبطان لحد كبير بقطاع النقل للدرجة التي يعتبر فيها موسم قيادة السيارات في الصيف أحد مؤشرات توجه السوق خاصة في الولايات المتحدة حيث يقدر حجم استهلاكها من وقود السيارات بحوالي 10 في المائة من الاستهلاك العالمي، لكن بسبب الموجة الاولى من فيروس الكورونا فقد تعرض قطاع النقل عموما ووقود السيارات تحديدا الى تراجع كبير في حجم الطلب عليه بلغ في المتوسط حوالي المليون برميل يوميا. هذه الصورة الملتبسة ستكون مطروحة أمام لجنة مراقبة السوق المقرر لها أن تجتمع في التاسع عشر من هذا الشهر وذلك لمراجعة الموقف خاصة فيما يتعلق بانضباط الدول المنتجة وتقيدها بالحصص المخصصة لها، بل والتعويض بخفض الانتاج عن الاوقات التي حدث فيها تجاوز. وسيكون الاجتماع فرصة لمراجعة هذا الالتزام الاخير وستكون العين على العراق الذي قارب انتاجه 700 ألف برميل يوميا وفق بياناته الرسمية وروسيا التي لم تقدم بياناتها بعد رغم انها سربت أخبارا عن تراجع انتاجها بنسبة 7.8 في المائة. على أن الاجتماع الاكثر أهمية ذلك الذي ستعقده أوبك وحلفاؤها في ديسمبر المقبل وتضع فيه تقديراتها بالنسبة لوضع السوق العام المقبل. وقتها قد تتضح الصورة قليلا بالنسبة للموجة الثانية من الكورونا واذا تم اعتماد مصل أو لا، لكن السؤال المحوري الذي قد لا يتم طرحه في ذلك الاجتماع أو في أروقة أوبك وحلفائها عموما، وهو هل هذا التراجع في الطلب مؤقت ويقع في إطار دورات الصعود والهبوط العادية للسوق النفطية عادة، أم هي نقلة نوعية تؤذن بأتجاه شمس الوقود الاحفوري الى الغروب. بعض الشركات النفطية الكبرى خاصة الاوروبية منها مثل «بريتش بتروليوم» و «شل» بدأت فعلا في تقليص استثماراتها في الوقود الاحفوري والاتجاه الى بدائل الطاقة المتجددة، لكن أوبك قد تتجه الى الانشغال بتراجع الاستثمارات لتوفير الامدادات وهو أمر قد يؤدي الى حدوث فجوة في العرض فيما اذا تحسن وضع الطلب.