مكافحة الفساد

تكثر هذه الأيام الكتابات التي تتحدث عن قضايا الفساد في معظم الدول العربية التي تعاني اليوم من أزمات سياسية واقتصادية عسكرية وثقافية، وبالتالي تؤثر على حياة المواطن البسيط الذي كان يتمتع ببعض الامتيازات والحوافز في عمله، إلا أنه نتيجة لتراجع أسعار النفط العالمية منذ منتصف عام 2014، وارتفاع وتيرة الحروب في المنطقة فقد تم توجيه الميزانيات المالية الكبيرة نحو بنود تمويل العسكر وشراء الأسلحة، وبالتالي نرى اليوم أن غالبية الدول العربية تتراجع في التقييم السنوي لمنظمة الشفافية الدولية، حيث إن 90% من منها حققت أقل من 50 نقطة مقابل 100 نقطة في عام 2016.  من جانب آخر ووفقا لتقرير صندوق النقد الدولي، فإن الفساد في القطاع العام في العالم يكبد الاقتصاد العالمي خسائر تقدر بنحو 1.5 تريليون إلى 2 تريليون دولار سنويا في صورة رشاوى، ويتسبب في تكاليف ضخمة أكبر تتمثل في إضعاف النمو الاقتصادي، وفقدان إيرادات ضريبية واستمرار الفقر، وهذا ليس ببعيد عن الدول العربية التي تسبب توجهاتها في التأليب على الدول المخالفة لها في الرؤى السياسية والاقتصادية. وهذه النماذج واضحة لدينا في المنطقة. ومن هذا المنطلق يؤكد صندوق النقد الدولي- الذي يرى البعض أنه أيضا من المؤسسات العالمية الفاسدة- على مكافحة الفساد باعتباره أمرا مهما لاستقرار الاقتصاد الكلي، وهو إحدى المهام الرئيسية لتلك المؤسسة الدولية. وتؤكد مديرة الصندوق الدولي، لاغارد، أن التكلفة الاقتصادية المباشرة للفساد معروفة جيدا، إلا أن التكلفة غير المباشرة ربما تكون أكبر وأكثر استنزافا"، وللفساد تأثير ضار أوسع نطاقا على المجتمع، إذ إنه يقوض الثقة في الحكومة ويضعف المعايير الأخلاقية لدى المواطنين. وتضيف أن "الفقر والبطالة يمكن أن يكونا أعراض الفساد المزمن. وأن تكلفة الرشاوى وحدها تزيد على 2% من إجمالي الناتج المحلي العالمي. ولأن هذه الأموال ملوثة فإنها تخرج من الاقتصادات إلى الملاذات الضريبية، مما يعني أنها لا تسهم في النمو. ومن جانبه يشير الصندوق إلى أن برامج الدعم التي يقدمها للحكومات تشتمل على توجيهات بشأن إجراءات مكافحة الفساد لأن "الفساد المستشري يجعل تطبيق سياسات مالية قوية أمرا أكثر صعوبة". ووفقا لتقرير منظمة الشفافية الدولية فإن 61% من مواطني الدول العربية يرون أن الفساد ازداد انتشارا خلال العام 2016 غير أن البيانات تتفاوت بشكل كبير بين مختلف البلدان. والمنظمة تستند في نتائج هذا المؤشر من خلال مسح لآراء الخبراء واستطلاعات الرأي المتخصصة وباعتماد عدة مصادر متوفرة على الأقل لتقييم كل دولة. المجتمع العربي يطالب اليوم بتحسين أوضاع حكوماتها والعمل على محاربة مدركات الفساد، وتحسين الوضع ومتطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتعزيز قيم النزاهة ومشاركة المجتمع المدني في مختلف الأعمال، بجانب تبني مبدأ المشاركة والشفافية في عملية التطوير في المؤسسات المعنية، ووضع الخطط التطويرية للمستقبل. وجميع هذه العوامل ستساهم في المحافظة على ما تم تحقيقه من إنجازات ومكتسبات خلال السنوات الماضية، وتعزيزها في الفترة المقبلة. ومثل هذه القضايا ستعمل على تعزيز الوضع التنافسي للدول العربية وعلى جذب المزيد من الاستثمارات وتوفير فرص العمل ومكافحة البطالة المستشرية.