عروس الفجر

إذا علمنا أن 40% من الناتج الإجمالي العالمي لسنة 2014، حسب تقارير الأمم المتحدة، قد أنتجته السيدات وأن 80% من قرارات الشراء حول العالم تقوم بها السيدات، وأن 14 تريليون دولار هو إجمالي دخول السيدات لنفس العام، فإنني، لا شك، قد استحوذت على انتباه الجميع بعد هذه الأرقام والإحصائيات لنقف على مستوى ونسبة وضرورة وتقدير وجودة مساهمة النساء في مسيرة الإنتاج في الدول العربية. وللوقوف على ذلك علينا أن نعلم أن من أكبر اقتصاديات العالم، وهي الصين، تمثل النساء نصف القوى العاملة فيها وفي الهند كذلك. ويأتي ذكر هذين البلدين انطلاقا من وجود قيم اجتماعية معينة في تلك البلدان قد تحول دون مساهمة المرأة في مسيرة العطاء والتنمية، أما في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية فحدِّث ولا حرج عن نسبة مساهمة النساء في النهضة الاقتصادية المعاصرة في كل القطاعات. وفي الوقت الذي أعي فيه خصوصية المنطقة العربية في قضية حجم ونوعية مساهمة المرأة في مسيرة التنمية والإنتاج، فإنني لا أنسى هنا الإشارة إلى أهمية وضرورة توجيه الجهود حسب الإمكانيات ضمن معايير مناسبة، حيث إنني أؤمن بالاختلاف بين عموم الناس وبين الرجل والمرأة في القدرات والإمكانيات والميول. فعلى سبيل المثال 50% من طلاب الهندسة في المملكة المتحدة هن من الإناث، ولكن فقط 8% من هذا العدد يعمل في قطاع الهندسة والمعمار، والشاهد هنا أن تطبيق مفهوم العدالة المطلق والمساواة في الفرص دون الأخذ بعين الاعتبار الفروق الفردية قد يؤدي إلى هدر في الموارد. أما عن عروس الفجر، وهو عنوان المقال، فعند ذكري الـ40% من مساهمة المرأة في الناتج العالمي وعند حساب الدخل الذي تحققه، أو عندما يذكر أي شخص يريد أن يقيِّم عمل المرأة في قطاعات الإنتاج، عليه أن يأخذ بعين الاعتبار العمل غير مدفوع الأجر وعدد ساعات العمل غير المحتسبة، مثل أعمال التربية والتعليم المنزلي وباقي المسؤوليات التي تبدأ كل يوم مع بزوغ الفجر، علما بأنه لا توجد إجازات لهذا العمل ولا مكافآت ولا يتم احتسابه من الناتج المحلي للاقتصاد، ولكن ومع ذلك هي مستمرة به دون كلل أو ملل. إن الله تعالى كرَّم المرأة في كتابه العزيز، حيث قال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا). لقد أراد الله أن يلفتنا إلى قضية التكامل بين الرجل والمرأة، كقضية التكامل بين الليل والنهار. فلا يستطيع أحد أن يقول إن الليل والنهار متعاندان أو متشابهان أو أن أحدهما أفضل من الآخر، بل هما متكاملان، يكمل كل منهما الآخر. أيضا الرجل والمرأة خلقهما الله سبحانه وتعالى متكاملين وليسا متشابهين. وأقول إننا سنصل فقط إذا أدركنا من نحن وأين نقف الآن، وإلى أن نصل هذه تحية.