ساعات وأيام، أسابيع وشهور، كلها أوقات ومواعيد يعتبرها مُعظم الناس تواريخ عادية تمُر كما غيرها، ولكن ولسبب ما فإن سُنة الله في خلقِه تجعل من كثير من المواقيت والتواريخ مناسبة مُتكررة للدرس والتفكُر، فنحن بني البشر غالبا ما نلاحظ ان المناسبات الكبيرة في حياتنا تتصادف مع احداث أخرى مُميزة، وفي كثير من الأحيان يلتصق تاريخ مُعين بتغيرات كبيرة في حياتنا، نواميس وتواقيت مُحكمة، نرتبط بها شئنا أم أبينا، طبيعة كونية منذ الازل، فها هو يوم عاشوراء (العاشر من مُحرّم) وبناء لبعض المؤرخين فإنه يوم يتصادف أنه يوم معركة كربلاء ومقتل الحُسين، وهو اليوم الذي نجّىٰ الله فيه سيدنا موسى وأغرق فيه فرعون وجنوده في البحر، ويصادف أيضا انه اليوم الذي نجّى الله فيه سيدنا نوح وأنزله من السفينة، وفيه تاب الله على سيدنا آدم، وغيرها الكثير، يوم واحد واحداث كثيرة، تقدير هام يُظهِر ان بعض الأيام في حياتنا قد تُصادف أحداثا غير عادية، وفي زمانِنا هذا ومن الناحية المالية والاقتصادية فإن أغلب الشركات والمؤسسات أيضا بات لديها مواعيد معروفة ينتظرها ويترقبها كثير من المُتابعين والمُهتمين، حيث باتت مُعظم الشركات تُعلن وبشكل دوري في كل ربع سنة ( ثلاثة أشهر) عن بياناتها المالية، فهي وبالرغم من كونها قوائم مالية مُتتابعة إلا أن أهميتها تتفاوت من ربع الى آخر، وهو عُرف مُتكرِر أصبح أساسا للعمل المُحاسبي، ومع مرور الزمن أصبح للبيانات النصف سنوية والنهائية بالذات وضع مُختلف، فاعتلت هذه القوائم عرش الدراسات والأبحاث لتتحول الى بوصلة يستخدمها المستثمرون والمتابعون لأخذ قراراتهم الاستثمارية والمالية، فهي الخطوة الأولى للدراسات وهي أيضا تلك الانوار الحمراء التي تُنذر القائمين على أعمالهم بوجود مشاكل او تعثرات، وهنا يأتي السؤال المهم، فما هي البيانات المالية للشركات؟ وما هي أهميتها؟ وكيف كان أداء الأدوات الاستثمارية المُختلفة خلال العام الحالي؟ وما هي توقعات النصف الثاني من العام؟ أولا وقبل كل شيء فإنه من المهم جدا معرفة ان البيانات المالية للشركات هي عبارة عن مجموعة من المستندات التي تُوضّح الوضع المالي للعمل في وقت محدد غالبا ما يكون نهاية كل ثلاث أشهر، وهي تتضمن بيانات أساسية حول أصول الشركة والتزاماتها، بالإضافة إلى دخلها ونفقاتها وارباحها خلال الفترة، فهي بيانات مُتراكِمة تجميعية مُتتالية، تُلخّص بطريقة واضحة ومُنظّمة الأحداث التي أثّرت على الشركة خلال فترة مُعينة، وهي بيانات يتم إعدادها عبر القسم المالي ويتم اعتمادها لاحقا من قبل الإدارة العامة والمُلاك، وبالحديث عن أهميتها فإنها قوائم تختص بتقديم المعلومات والبيانات الخاصة بالشركات لجميع الأطراف المُهتمة بذلك والتي يكون من ضِمنها الشركاءُ والمساهمون والمستثمرون والمدراء والمصرفيون وأي شخص أو جهة أخرى تتعامل مع الشركة ويقتضى عملها هذا معرفة الوضع المالي للشركة وهو ما يتم عبر الاطلاع على قوائمها المالية. وبنظرة سريعة عن النصف الأول من العام الحالي 2023 فان أداء اهم السِلع والأدوات الاستثمارية كان كما يلي: الذهب الذي أنهى مُعاملات السنة الماضية 2022 عند مستويات 1775 دولارا للأونصة اغلق بارتفاع 154 دولارا ما يُعادل 8.6% حتى 30 يونيو من العام الحالي اما النفط وبالتحديد خام برنت فقد انخفض من 85.9 دولار للبرميل وصولا الى 74.9 دولار وهو ما يعني انخفاض بقيمة 12.8% خلال ستة أشهر، وبالانتقال الى المعادن فالرصاص مثلا فقد انخفض من 188 دولارا الى 180 دولارا، اما النحاس فقد حافظ على نفس المستويات السعرية بتغير يقترب من 1% انخفاضا، وبالحديث عن المواد الغذائية فقد انخفض سعر طن القمح الأمريكي حوالي 17.8% ليصل الى مستويات 651 دولارا بعد ان كان عند 792 دولارا في نهاية 2022، أما الأرز فقد استطاع البقاء عند نفس المستويات السعرية وهي 18.05 دولار، وبالانتقال الى العملات فان قيمة اليورو مقابل الدولار ارتفعت حوالي 1.8% ليصل الى 1.09 دولار مقابل 1.07 سابقا، اما الباوند الانجليزي فقد ارتفع حوالي 5% مقابل الدولار ليصل الى 1.27 دولار في نهاية يونيو، وأخيرا فانه وبالحديث عن أسواق المال فان مؤشر الداو جونز مثلا وهو المؤشر الصناعي الأشهر في أسواق المال الامريكية استطاع ان يرتفع حوالي 3.8% أي ما يُعادل 1258 نقطة ليغلق عند مستوى 34,405 نقطة، أما في بورصة قطر فقد انخفض المؤشر بحوالي607 نقاط وهو ما يعادل 5.68% ليغلق عند مستوى 10,074 مع نهاية شهر يونيو، تفاوت كبير بالأداء ولكن يبقى لهذه الاغلاقات السنوية أهميتها الخاصة، فكلنا وفي لحظات نسينا كل التذبذبات والارتفاعات التي تمت خلال المئة وثمانين يوما السابقة لنحكم على هذه المؤشرات من خلال اغلاقاتها في هذا التاريخ المُحدّد. واخيرا وليس آخرا فإنه وبرأيي الشخصي فإن أهمية تحديد وتثبيت وقت للاطلاع على البيانات المالية تساعد جميع المُهتمين ببناء قاعدة أساسية لتقييم العمل ومُقارنته بالسنوات السابقة، وبالتالي فانه يعطي فرصة حقيقية للقائمين على الاعمال لمعرفة مدى تتطور او تراجع أعمالهم، وهو الامر الذي يساعدهم لاحقا على اكتشاف المشاكل والثغرات وحلِها، وهنا أستذكر مقولة " مارك توين" الكاتب الأمريكي الساخر الذي يقول " لا أقارن نفسي بأي شخص آخر، ولا أهتم أن أكون أفضل من غيري، أقارن نفسي بنفسي قبل عام، وأهتم لأكون أفضل من نفسي بعد عام ".