كلما تجاوز الاتحاد الأوروبي مشكلة ظهرت له مشكلات، فبعد أزمة الديون اليونانية، وهزة الخروج البريطاني، وتعالي أصوات اليمين المطالب بالخروج من منطقة اليورو والعودة للدولة القطرية، ها هي إيطاليا رابع أكبر اقتصاد أوروبي تعاني من أمراض اقتصادية تؤثر على فرص بقائها في الاتحاد الأوروبي. فإيطاليا تعتبر مثالا للدولة التي وثقت بسلامة نموذجها الاقتصادي، وبالغت بالركون إلى قوته، خصوصا خلال تسعينيات القرن الماضي ومطلع الألفية الجديدة، لتقع وعلى خلفية الأزمة المالية العالمية في 2008 فريسة الثقة الزائدة، بتراجع نموها الاقتصادي إلى ما دون 1%، وانخفاض معدلات الإنتاجية لديها لتحتل ذيل الدول الصناعية -حسب الايكونوميست- بعد الولايات المتحدة واليابان وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، وارتفاع معدلات البطالة لتقارب 12% -تصل إلى 36% بين الشباب- وتزايد حجم الفقر المدقع ليطال 4.6 مليون نسمة (7.6% من السكان)، يضاف إليهم أكثر من 8 ملايين شخص (14% من السكان) يعيشون في فقر نسبي، أي أن دخلهم المخصص للإنفاق يقل عن نحو نصف المتوسط على مستوى الدولة. والأمر لا يقف هنا إذ تتجاوز المديونية العامة لإيطاليا 2.2 تريليون يورو، وتقارب 135% من الناتج المحلي الإجمالي لتكون الأكبر في أوروبا، مع ديون مصرفية متعثرة تقدر بحوالي 400 مليار دولار تقارب 20% من حجم الاقتصاد الإيطالي، وهو ما أدى لتراجع قدرة المصارف على تقديم القروض للشركات والأفراد، وزاد الأوضاع الاقتصادية تعقيدا لتراجع الاستثمارات بعامة، وهروب المستثمرين الأجانب من حيازة السندات السيادية التي ارتفعت نسبة فائدتها مع ارتفاع كلفة التأمين عليها بخاصة. هذا الوضع الاقتصادي الصعب يؤكده تراجع معدل التضخم إلى ما دون الصفر (0.1%-)، وتراجع معدل النمو الاقتصادي عند نسبة صفر% في بعض الأشهر- رغم ذلك توقع صندوق النقد نموا اقتصاديا ضمن حدود 1%، ما يعني أن الاقتصاد الإيطالي سيحتاج لحوالي 8 سنوات أي حتى العام 2023 للعودة إلى ما كان عليه عام 2008 إذا نما بهذه النسبة سنويا- وتراجع القدرة الشرائية للسكان، وانخفاض قيمة أسهم البنوك بسبب المبيعات المكثفة لها رغم تطمينات المركزي الأوروبي بأنه سيعمل على إنقاذها، وهو ما أدى بالمفوضية الأوروبية للتشدد بقبول الميزانيات الحكومية الإيطالية إذا لم تتضمن تعهدا بتحقيق معايير التقارب المالي الأربع لدول الاتحاد الأوروبي وهي التضخم وسعر الفائدة والعجز(3% من الناتج المحلي الإجمالي) والمديونية (60% من الناتج المحلي)، وبذل الجهود لتحسين آفاق العملية الاقتصادية والمصرفية. جملة المعطيات سالفة الإشارة تدفع بالشعبويين الإيطاليين كما غيرهم لتصدر المشهد السياسي مطالبين «بإيتيكست إيطالي» على غرار البريكسيت البريطاني للخروج من الاتحاد الأوروبي باعتباره المسؤول عن البطالة والفقر والعجز والمديونية والركود وتراجع النمو الاقتصادي، لكن الفرق هنا أن البريطانيين كان بإمكانهم الاستفتاء على الخروج، فيما يحتاج الإيطاليون لتعديل الدستور بأغلبية ثلثي أعضاء كلا مجلسي البرلمان الإيطالي لأنه يحظر إلغاء الاتفاقيات الدولية عبر الاستفتاء الشعبي، وقد يحتاج الأمر إلى استفتاء يمهد الطريق لاستفتاء حول عضوية إيطاليا، وهنا وحتى لو صوت الإيطاليون لصالح الخروج فإن المحكمة الدستورية يمكنها الوقوف في وجه مثل هذه النتيجة، ورغم ذلك وفي نهاية 2016، توقع جوزيف ستيغليتز الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد، خروج إيطاليا ودول أخرى من منطقة اليورو في السنوات المقبلة.
