صناديق التقاعد

نسمع بين حين وآخر أن بعضا من صناديق التقاعد مهددة بالإفلاس، الأمر الذي يقلق أسر الموظفين والمتقاعدين خوفا على مدخراتهم، حيث إن الإفلاس يعني تدمير وضعهم المعيشي، وهم الذين يمثلون النسبة الأكبر من المجتمع. البعض يتساءل: هل حقا يمكن لصناديق التقاعد أن تعجز عن الوفاء بالتزاماتها المالية وتعلن إفلاسها؟ نظريا تمكن طمأنة الجميع بأن الإفلاس قد لا يحدث أبدًا لمثل هذه الصناديق، لأنه من الصعب على أي دولة كانت أن تقبل أو تتحمل نتائجه، لأنه باختصار قد يؤدي إلى فوضى اجتماعية اقتصادية سياسية، فلا يمكن للدولة أن تسمح بانهيار أو حتى بضعف الصناديق الاجتماعية، ومهما كان السبب فالدولة هي مسؤولة بدرجة أساسية عن أي عجز أو إفلاس. وتقوم فكرة الصناديق الاجتماعية على أساس رعاية الموظفين أو العاملين لتوفير لهم ولأسرهم حياة كريمة بعد تركهم العمل، إما بسبب التقاعد أو العجز أو الوفاة، إضافة إلى توفير العناية الطبية للمصابين منهم بإصابات عمل، وتقديم التعويضات اللازمة عند حدوث عجز مهني أو وفاة. وتعتمد صناديق التقاعد في عملها بشكل أساسي على الاشتراكات التي يدفعها الموظفون وأصحاب العمل (الحكومة بالنسبة للقطاع العام وصاحب المؤسسة بالنسبة للقطاع الخاص)، وتمثل هذه الاشتراكات نسبة من الراتب الأساسي، فمثلا يدفع الموظف في البحرين 6%، بينما تدفع الحكومة 12% من الراتب الأساسي. ويرتبط نجاح واستقرار هذه الصناديق بالوضع الاقتصادي للدولة بشكل عام وبوضع سوق العمل بشكل خاص، إضافة إلى عوامل أخرى لا تقل أهمية مثل نظام التقاعد المعتمد الذي يضمن قدرة الصندوق على الوفاء بالتزاماته المالية من خلال أن يكون عدد المساهمين قادرا على تغطية التزامات المستفيدين (المتقاعدين)، ويعتمد أيضا على عملية استثمار الفوائض المالية للصندوق، وكذلك الكفاءة الإدارية لمجلس الإدارة ومدى قدرته على منع سوء استخدام أموال الصندوق. إن استقرار ونمو الاقتصاد الوطني يعني زيادة التوظيف وارتفاع الرواتب وزيادة عدد المشتركين في صناديق التقاعد، ومن ثم زيادة مساهمتهم، وبهذه الطريقة يستقوي الصندوق ماليا وتتعزز قدراته على الوفاء بالتزاماته المالية. إن استمرارية اشتراكات العمال والموظفين شرط أساسي لضمان ديمومة هذه المؤسسات، فكلما ارتفع عددهم ارتفع حجم رأس المال للصندوق. ولا يمكن ضمان ارتفاع عدد المشتركين وزيادة اشتراكاتهم إلا في اقتصاد مستقر ينمو وله قاعدة إنتاجية متنوعة وقادر على خلق فرص عمل في مختلف القطاعات. العدو الأول لاستقرار صناديق التقاعد هو ضعف الاقتصاد الوطني، فعندما يمرض الاقتصاد (ركود اقتصادي مثلا) ويكون عاجزا عن خلق فرص عمل للمواطنين، وعندما تكون الدولة تعاني من انخفاض في إيراداتها العامة وتعجز عن تمويل وإسعاف هذه الصناديق، فالنتيجة الحتمية هي العجز المالي، ومع استمرار الوضع وتدهوره قد لا تجد هذه الصناديق خيارا غير الإفلاس. أما العدو الآخر، فهو سوء استخدام فوائضها المالية (الفساد الإداري)، حيث إن حسن استخدامها من خلال عملية استثمارية ناجحة قد يحميها من الإفلاس. كما أن طبيعة عمل الصناديق الاجتماعية تتطلب إجراء الدراسات الاكتوارية بشكل مستمر، وذلك لغرض التعرف على المخاطر التي تحيق بالصندوق والعمل على دراسة الحلول المناسبة لها. إن نتائج هذه الدراسات تكون في غاية الأهمية، وذلك لمنع ضعف وإفلاس المؤسسة، كونها تكشف عن المخاطر المستقبلية ومصادر الضعف والكيفية التي يمكن بها مواجهتها وإيجاد الحلول قبل ظهور المشكلة وتفاقمها.