حدود النمو

هل يمكن لأي دولة أن تنمو من دون حدود؟ اعتقدنا جميعا أن النمو الصيني القوي سيستمر لفترات طويلة، وتفاجأنا أنه انحدر بسرعة من 9.5% في سنة 2011 إلى 6.6% في سنة 2016. لا شك أن النسبة تبقى محترمة إلا أن فارق 3 نقاط سنوية من النمو ليس بالقليل بل يعدل جدا في المسيرة التنموية للاقتصاد الصيني. انخفاض النمو الصيني يقلق العالم بسبب أهمية الاقتصاد الثاني وانعكاس هذا الانخفاض على الأسواق المالية. لا أحد يريد العودة إلى أزمة 2008 وما حملته من خسائر. يمكن وصف الاقتصاد العالمي اليوم بالمليء بالمخاطر، حيث النمو بطيء والسياسات النقدية معطلة عمليا بسبب بقاء الفوائد الأساسية منخفضة رغم رفع المركزي الأمريكي مؤخرا الفائدة ربع نقطة. تكمن المشكلة الأساسية في الصين اليوم في ارتفاع مديونية الشركات وبارتفاع أسعار العقارات كثيرا ما يذكرنا بطريقة أو أخرى بسنة 2008. بلغ حجم الدين في الصين 26.6$ ألف مليار دولار في سنة 2015 أي 5 أضعاف ما كان عليه منذ عقد من الزمن و2.5 مرة حجم الاقتصاد الصيني. نسبة مقلقة يخفف من وطأتها هو أن أكثرية الدين داخلية. يقول «جورج سوروس» المستثمر الكبير، إن الصين اليوم هي تماما كالولايات المتحدة في سنة 2007، علما أنه ليس هنالك إجماع حول هذا الموقف. أين تكمن خطورة استدانة الشركات الصينية؟ ارتفاع ثقل الدين وخدمته يقللان من إمكانية الاستثمار في المستقبل، وبالتالي يضعف النمو الصيني القادم. تشكل هذه الاستدانة نوعا من الحلقة المفرغة التي تضرب الاقتصاد الصيني والبطالة والنمو، وبالتالي الوضع العالمي نظرا لحجم الصين وقوتها. تعاني الصين أيضا من هروب لرؤوس الأموال، كما أن ارتفاع أسعار العقارات يضرب الطبقات الوسطى وما دون، ويمكن أن يشكل نوعا من الفقاعة. من الممكن أن ينجح الرئيس ترامب في إرجاع قسم من الشركات والاستثمارات الأمريكية من الصين، ما يشكل خسارة للمستهلك الأمريكي وللاقتصاد الدولي. ما يجب أن يفعله ترامب هو وضع السياسات التي ترفع مستوى الإنتاجية كما التنافسية داخل الولايات المتحدة. تعاني الصين أيضا من ارتفاع كبير متواصل في فجوة الدخل والثروة، وبالتالي هنالك قلق مبرر من ناحية الاستقرار الاجتماعي المستقبلي. لا يمكن لأي حكومة صينية أن تخاطر بالفوضى بل ليست هنالك مصلحة عالمية في إحداث تقلبات اجتماعية في الصين. يكفي العالم مشكلة تايوان واحتمال تفاقم مشكلة هونج كونج قبل أو عندما ينتهي الاتفاق الحالي في سنة 2047. لا يمكن تجاهل الفجوة في الدخل لأنها مصدر قلق وربما شغب في الصين مع الوقت؟ هل تكون هذه الفجوة مناسبة للنمو أم تضر به؟ هنالك انقسام في وجهات النظر بالنسبة للاقتصاديين، حيث يقول بعضهم إن الفجوة تأتي من النجاح الاستثماري وتشجع المواطن على المغامرة للنجاح. هنالك رأي آخر معاكس يقول إن الفجوة تضيق الفرص على الطبقات الوسطى وما دون وتقلق الفقراء.