العجز والدين مكلفان جدا

تعاني دول مجلس التعاون الخليجي اليوم من عجز مالي بسبب انخفاض أسعار النفط، فتقوم بالاستدانة من الأسواق المالية. الموضوع يهم الجميع دون أن يعني ذلك أن العجز دائما سيئ وأن الدين العام كارثة، بل العكس يمكن أن يكون صحيحا. لبنان في عجز مالي ودين عام متفاقم منذ عقود، ولا نملك الحل اليوم، لأن الظروف الحالية صعبة وتتطلب تماسك المجتمع، بالإضافة إلى الحاجة للإنفاق في الداخل على الجميع. ما هي أهم مبررات وفوائد حصول العجز وبالتالي تراكم الدين العام؟ العجز ليس قضاء وقدرا، فهو خيار حكومة ومجتمع يسعيان للاستثمار في المستقبل. أولا: أهمية تمويل المشاريع الضرورية للمجتمع والاقتصاد والتي لها عائد مالي واقتصادي واجتماعي إيجابي. الاقتراض أو الإنفاق لتمويل مشاريع كهذه مقبول، بل مرغوب به، لأن العائد على المدى البعيد سيكون حتما مفيدا للمجتمع. من هذه المشاريع نضع البنية التحتية والمدارس والمستشفيات التي تكلف على المدى القصير لكنها حيوية على المدى البعيد. ثانيا: الاستقرار العام الذي ينتج عن إقامة مشاريع تطمئن المواطن على مستقبله، الاقتراض والتسديد على سنوات عدة يريح المجتمع وبالتالي يستفيد من الاستثمارات دون أن يرهق نفسه بالضرائب والتعريفات المرتفعة. نعلم جيدا أن الاستقرار الاقتصادي يجلب الاستقرار السياسي الضروري للاستقرارين الأمني والاجتماعي. ثالثا: طريقة التمويل مهمة جدا، منها إصدار سندات خزينة في الأسواق المالية يستفيد المواطن وخاصة المتقاعدين من عائدها، هكذا يشعر المواطن أيضا بأنه يمول مستقبل اقتصاده والأجيال المقبلة. شفافية وسيولة الأسواق المالية مهمة كي يستطيع المواطن تداول هذه السندات، لا شك أن الأسواق المالية الأمريكية والغربية تتمتع بهاتين الصفتين اللتين لابد من تطويرهما خليجيا مع الحاجة المستجدة لذلك. ما هي المبررات المعاكسة التي تفرض على الدول أن تكون حذرة من تفاقم الدين الذي يجب تسديده عاجلا أم آجلا، وإلا حصل المحظور، أي الإفلاس وسقوط الثقة وانهيار النقد بالإضافة إلى استحالة إيجاد مقرضين جدد؟ ما زالت العديد من دول أمريكا اللاتينية كالأرجنتين والبرازيل وفنزويلا تعاني من السياسات الخطرة التي مورست خلال عقود ويدفع ثمنها مواطن اليوم. مقاطعة "بورتو ريكو" هي في وضع خطر بالرغم من وجودها سياديا في الولايات المتحدة. لا يمكن التهاون في الاستدانة والإنفاق لأن الطريق يصل عاجلا أم آجلا إلى نهاية ما، يمكن أن تكون تكلفتها كبيرة جدا. أولا: يقع الإنفاق عموما في ثلاثة أبواب: خدمة الدين العام، الإنفاق الجاري والإنفاق الاستثماري. الأول لا خيار فيه، أي تجب خدمة الدين. الإنفاق الجاري من أجور وشراء السلع والخدمات العادية كالمحروقات والمفروشات لتسيير أمور الدولة ضروري لكن يجب تخفيفه إلى أقصى الحدود ضمن الهدف الأساسي وهو رفع الإنتاجية. ثانيا: عجز اليوم والدين يتحولان إلى ضرائب مستقبلية. الحل الآخر هو زيادة الكتلة النقدية لتمويل الإنفاق مما يضر بالنقد، تماما كما حصل في لبنان في الثمانينيات من القرن الماضي وبالتالي هنالك مسؤولية كبرى تقع على عاتق السياسيين والإداريين. نقرر اليوم ونسدد من جيوب الأجيال القادمة، وهذا ظلم إذا لم تتم الممارسة بأفضل الطرق الأخلاقية. ثالثا: الديون العامة من اقتراض مباشر من المؤسسات والمصارف أو عبر إصدار السندات يعزز وضع الأغنياء على حساب الفقراء، حيث هم قادرون على الإقراض ويستفيدون منه علما بأن الفاتورة تسدد من قبل الجميع. الاستدانة المكثفة هي حكما غير حكيمة وغير عادلة وتؤدي إلى رفع الفوائد وبالتالي إرهاق الشركات المستثمرة، مما يعيق عملية النمو الضرورية للازدهار.