ينقسم البشر إلى أغنياء وفقراء، وبين الفئة الأولى والثانية درجات متفاوتة يقترب بعضها من الفئة الأولى التي تكافح بتصميم وعزم باستخدام شتى الطرق والوسائل لضمان الانضمام والدخول إلى عضوية نادي الأغنياء، بينما تكدح الأخرى وتناضل لكي تحافظ على مكانتها بين بين، أي ضمن فئة الطبقة الوسطى أو قريبا منها على الأقل لكي لا ينتهي بها الحال في مجاهل الفقر والعوز والضنك ومع الجوعى، فصراع البشر في هذه الحياة صراع على البقاء وصراع على المال، يدخل الفقراء الصراع من أجل توفير لقمة العيش أي من أجل البقاء، والأغنياء من أجل جمع المزيد من المال، فالإنسان عصي على الشبع غير قادر على التوقف عن التوغل في عالم الغنى مهما بلغت ثرواته وتعددت استثماراته، (وتحبون المال حبا جما)، الآية رقم 20 من سورة الفجر. الصراع الأول ضرورة تحتمه غريزة البقاء، والثاني صراع دال على الضعف الإنساني أمام سطوة المال، وتتضاعف ثروات الأغنياء بفضل الشرائح الأخرى من كوادر بشرية متخصصة وعقول متفتحة وعمال يكدحون في الليل والنهار ومستهلكين للبضائع لا تتوقف طلباتهم ولا تنتهي رغباتهم وتعتمد عليهم مصانع وأسواق واستثمارات ومنتجات وعقارات الأغنياء، وبدون هذه الفئات التي تمثل العناصر البشرية الفاعلة والمحركة والمؤثرة في السوق العالمي والصانع الحقيقي للمال والعامل الأساسي لتضاعف الثروات التي تستمتع بها فئة صغيرة في هذا الكون المترامي الأطراف، فإن العالم سوف يشهد كسادا حقيقيا يلعق مرارته لا الفقراء وحدهم وإنما الأغنياء كذلك، ومن مصلحة الجميع أن يظل التوازن قائما وأن تبقى الهوة بين الفئات في معدلاتها الطبيعية، فالاختلال واتساع المساحة أكثر مما هي متسعة بين الأغنياء والفقراء، وتواصل عدد الفئة الأخيرة في النمو في مقابل تضاعف الثروات في يد فئة قليلة فسيشهد العالم كوارث حقيقية لا أحد يعلم نتائجها الحقيقية على البشرية. فالاحتجاجات الصاخبة والثورات المدمرة والانقلابات المؤدية إلى الفوضى والغليان المهتاج في الصدور إنما تنشأ وتنطلق وتفور بسبب التوزيع الجائر للثروات وتكدس المال في يد فئة محدودة واتساع الهوة بين الشريحتين، وطغيان الأغنياء واحتكارهم لسلطة المال وظلمهم واستغلالهم للفقراء والضعفاء وعدم النظر بجدية وموضوعية لاحتياجاتهم، وامتناعهم عن تقديم يد المساعدة لمن احتاجها، وهو انعكاس لمشهد العالم في هذه الأيام كما نراه ماثلا أمام أبصارنا في صوره المتعددة. وبحسب التقارير الصادرة عن المؤسسات الرسمية المتخصصة والبرامج الإعلامية المشبعة بصور البشر وهم يتضورون جوعا والتي تملأ النفس أسى على حال الإنسان الغني الذي تصحرت أخلاقه وتبلدت أحاسيسه فلم يعد يشعر بمعاناة أخيه ولم يعد يلتفت إلى الواقع الذي يعيشه الجوعى من بني البشر. لقد أكد تقرير صادر عن البنك الدولي نشر في الربع الأخير من 2016 بأن (حوالي 767 مليون شخص لا يزالون يعيشون بأقل من 1.90 دولار في اليوم نصفهم تقريبا في أفريقيا جنوب الصحراء)، وأكد التقرير أنه على الرغم من أن الفقر المدقع يتراجع على مستوى العالم، لكن (الحملة من أجل القضاء عليه بحلول العام 2030 تواجه تهديدا، بسبب تزايد الفوارق الاقتصادية، بحسب وكالة فرانس برس). وحذر البنك الدولي من أن (القضاء على الفقر المدقع لن يتحقق ما لم يستفد الأكثر فقرا من النمو).