115 ألف برميل يوميا معدل حجم الاستهلاك المحلي القطري من المنتجات البترولية عام 2015، بنسبة نمو سنوية تقارب 10%، وبحسب صندوق النقد الدولي فقد تصدرت قطر دول العالم في دعم الطاقة للفرد بالدولار، حيث بلغت 5995 دولارا من الإنفاق الحكومي، وبحجم دعم إجمالي يقدر بحوالي 14.5 مليار دولار، بينما حلت السعودية في المرتبة الثالثة عربيًا والرابعة عالميًا، حيث بلغت حصة الفرد 3395 دولارًا، تلتها البحرين بحصة 3224 دولارًا، ثم الإمارات بحصة 3022 دولارًا. هذه الأرقام القطرية والخليجية الضخمة التي عبر عنها تقرير سابق لصندوق النقد الدولي، أشار فيه إلى أن قيمة الدعم الخليجي عام 2014 بلغت 60 مليار دولار، ترتفع إلى 175 مليار دولار عند إضافة تكاليف أخرى مرتبطة بالبيئة والبنى التحتية والاستهلاك، تؤدي في حال استمرارها على نفس الوتيرة المتصاعدة، إلى هدر الثروة النفطية، واستنزاف الإيرادات الوطنية، وقد جاء انخفاض أسعار النفط لكي يظهر مخاطر الاستمرار بهذا النسق من الإنفاق غير المنتج، ما دفع الدول الخليجية لاتخاذ قرارات تعويم أسعار المشتقات النفطية تباعا، ومنها الإمارات وعمان والكويت. لتدخل دولة قطر هي الأخرى اعتبارا من بداية شهر مايو 2016 - وبعد أربع سنوات من برنامج ترشيد استهلاك المياه والكهرباء - مرحلة تعويم أسعار المشتقات النفطية، في خطوة تهدف لإعادة تنظيم استخدام واستهلاك الطاقة على نحو يلائم المستجدات في هذا القطاع، ولتطوير العملية الاقتصادية والارتقاء بها إلى المستوى العالمي، على طريق التحولات التي يشهدها الاقتصاد القطري، وهو يطور وينوع قطاعاته، ومصادر دخله، رغم أن هذه الخطوة ستثير، كما أثارت حالات مشابهة في دول أخرى، ردود فعل مؤيدة ومعارضة، وهي بهذا المعنى، تعتبر اختبارا حقيقيا للقدرة على التكيف مع التغيرات، التي ستطال كثيرا من الثوابت، التي لم يعد ممكنا بقاؤها على حالها، وهنا تكمن العبرة الحقيقية من وراء هكذا تغيير، فهو بمثابة بروفة أولية للتناغم مع مستجدات كثيرة في عالم متغير داخليا وخارجيا. فالإسراف في استهلاك الطاقة في الدول الخليجية، وإذا ما استمر بمعدلاته الحالية، سيقلل من قدرة بعضها على تصدير النفط وربما التوقف عن هذا التصدير بعد عقدين من الزمن، نظرا لزيادة حجم الاستهلاك الداخلي الهائل بدون ضوابط، وبالتالي فلا مناص من تعويم الأسعار وفق حركة الأسعار العالمية، كخطوة من بين خطوات أخرى يفترض أن تلحق بها لإعادة تنظيم استهلاك الطاقة. وفي هذا الإطار فإن مقدار انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن احتراق الوقود عالميا (44% من الفحم، و35% من المنتجات النفطية، و20% من الغاز) تتجاوز 30 مليار طن متري سنويا، وبدون التدابير اللازمة والمناسبة قد ترتفع لتصل إلى 100 مليار طن متري عام 2100، وهو ما سيفاقم من مشكلة الاحتباس الحراري، وبالتالي زيادة احترار الكوكب، مما ستكون له عواقب وخيمة جدا على سكان العالم أجمع. لذلك يلعب تسعير المشتقات النفطية وفقا للسوق العالمي، دورا مهما في إعادة تشكيل التعامل الإيجابي مع الموارد الوطنية ومنها الطاقة، بعيدا عن ثقافة الإسراف في الاستفادة مما هو جيد حتى لو لم تكن هناك حاجة فعلية، فقط لأن سعره رخيص، أو أقرب إلى المجان، ويدفع نحو نشوء مجموعة واسعة من التغيرات السلوكية، التي تؤدي إلى انخفاض مستوى انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون بنشر التكنولوجيا الموفرة لتلك الانبعاثات، ويحول المجتمع بمؤسساته وشركاته وأسره وأفراده إلى استخدام منتجات أكثر كفاءة في استهلاك الطاقة، بما في ذلك الإضاءة، وتكييف الهواء، والسيارات، والآلات الصناعية، وحتى الاقتصاد في استخدامها طوعيا، والتحول تدريجيا نحو الطاقة المتجددة والوقود الأنظف. أكثر من ذلك، فإنشاء بنية تحتية أفضل وأعلى إنتاجية انسجاما مع الحجم الذي تتطلبه المسؤولية الاقتصادية والتنمية المستدامة، يحتاج إلى مجموعة منسقة من التحركات والقرارات، أحدها تعويم أسعار المشتقات النفطية، وذلك لمعالجة تشوهات السوق، وتنحية السياسات التي تقوض جودة الاستثمارات في البنية التحتية، حيث يمثل دعم الوقود أشد مظاهر هذا التشوه. تعويم تسعير المشتقات النفطية خطوة مهمة على طريق التحول من المجتمع الريعي إلى المجتمع الإنتاجي، ودولة قطر أرست ومنذ بداية التفكير برؤية قطر 2030، القواعد والأسس التي تسمح للمجتمع القطري بالانتقال السلس إلى مجتمع اقتصاد المعرفة، الذي من سماته الإنتاجية، والجودة، والتنوع، والعالمية، وما العمل بتسعير المشتقات النفطية، سوى مرحلة من مراحل عديدة على طريق تحقيق تلك الرؤية.