انعكاسات اقتصادية لقطاع الاتصالات الخليجي

تسير دول مجلس التعاون الخليجي بالاتجاه الصحيح نحو تحرير قطاع الاتصالات، مما سيكون له انعكاسات اقتصادية واجتماعية مهمة، ففي نهاية شهر مارس الماضي أعلنت الأمانة العامة لدول المجلس عن تخفيضات جديدة بنسبة كبيرة تبلغ 40% في تكاليف التجوال بين دول المجلس اعتبارا من الأول من أبريل الجاري. ويشمل هذا التخفيض اسعار الخدمات الصوتية الصادرة والواردة والرسائل النصية الصادرة واسعار خدمات البيانات، في حين ستبقى خدمة استقبال الرسائل النصية مجانية - كما هو الوضع الآن – مما يعني المزيد من التوسع في استخدامات التجوال والبيانات، بما في ذلك لقطاع الأعمال والتداولات في اسواق المال الخليجية والتواصل ضمن العلاقات الاجتماعية المترابطة بصورة وثيقة بين أبناء دول المجلس، حيث حدت الأسعار السابقة من ذلك بسبب التكاليف. يتزامن هذا التوجه مع توجه مماثل اتخذته البلدان الأعضاء في الاتحاد الأوروبي الخاصة بتحرير التجوال الدولي وخدمة البيانات بين الدول الأوروبية في العام الجاري 2016 لتصبح مجانية أو بأسعار رمزية. من جانب آخر تأتي هذه الخطوة المتقدمة في ظل تحديات كبيرة يواجهها قطاع الاتصالات في كافة بلدان العالم، حيث توفر العديد من الشركات الدولية خدمات الاتصالات الصوتية والبيانات بصورة مجانية عالميا وعلى مدار الساعة، مما يهدد شركات الاتصالات والتي تسارع إلى التأقلم مع الأوضاع المستجدة والناجمة عن التقدم التقني السريع، إذ قضت خدمة «الواتس أب» المجانية على سبيل المثال على خدمة الرسائل النصية، حيث تستحوذ الأولى على 80% من هذه الخدمات من حول العالم. ولإيضاح أهمية هذه الخطوة خليجيا من الناحية المالية، فإنه يمكن الإشارة إلى تصريح الأمين العام المساعد للشئون الاقتصادية والتنموية بالأمانة العامة لدول المجلس السيد عبدالله بن جمعة الشبلي الذي ذكر "أنه يتوقع أن يؤدي هذا التخفيض في المرحلة الأولى عام 2016 إلى توفير 1.14 مليار دولار على مستخدمي الهاتف الجوال بين دول المجلس، كما أنه سيرفع من الرفاه الاجتماعي بمقدار 404 ملايين دولار. لذلك ربما يتكون اعتقاد خاطئ بأن ذلك سوف يأتي على حساب شركات الاتصالات في دول المجلس، مما أدى إلى انخفاض أسعار أسهم هذه الشركات في كافة البورصات الخليجية عند إعلان التخفيض الجديد، وذلك بسبب المضاربات التي قد تحدث في هذا الشأن، إلا أن هذا التخفيض سيساهم دون شك في زيادة كبيرة في استخدام خدمات التجوال والبيانات بين دول المجلس، وبالتالي ارتفاع في أداء شركات الاتصالات التي توفر هذه الخدمات. والحقيقة أن هذه الخطوة تقدم دعما لشركات الاتصالات بشكل خاص وللتعاون الخليجي بشكل عام وتشكل نقلة مهمة لتكامل قطاع الاتصالات الخليجي ولقطاع الأعمال ولزيادة الروابط الاجتماعية، أما التحدي الحقيقي، فإنه يكمن في التطور التقني السريع والذي يصعب التحكم به، وهو ما يواجه كافة شركات الاتصالات في جميع البلدان، ومن ضمنها الشركات الخليجية. هذه التغيرات التقنية غيرت بصورة سريعة الكثير من أنماط الحياة والاتصالات وطبيعة أداء الأعمال في كافة القطاعات في العقدين الماضيين وستؤدي إلى المزيد من التغيرات في السنوات القليلة القادمة، حيث يتطلب الأمر مجاراة هذه التغيرات والتأقلم معها، فالأتمتة والخدمات الالكترونية على سبيل المثال قلصت كثيرا من فرص العمل، حيث يتوقع أن تتقلص هذه الفرص في العالم بنسبة 25% حتى عام 2025، مما يشكل تحديا يمكن التأقلم معه من خلال التنوع والتأهيل وتغيير أساليب التعليم والتوجه نحو اقتصاد المعرفة، وهو ما تسعى إليه بصورة جادة دول مجلس التعاون الخليجي، حيث ساهم الانخفاض الأخير في أسعار النفط في الإسراع باتخاذ خطوات عملية في هذا الاتجاه.