تميز مونديال القرن 2022 انه جعل العرب يتحدثون كرة القدم، وجعل عشاق الساحرة المستديرة القادمين للدوحة من كل بقاع الأرض يلقون السلام ويتكلمون العربية فرحا، ويرتدون الشماخ معدلا بألوانهم الوطنية المتمسك بتصميمه الأصيل المحتوي لكل الثقافات، كتبت الحكايات في قطر بأقدام صانعي الفرح والمجد، فصيغة ادبيات جديدة لتاريخ معشوقة الجماهير وحلم الاجنة في ارحام امهاتهم، حيث ابدعت المنتخبات العربية بتجارب اراها ترتقي لملاحم ستكون للتاريخ اضاءات. الملحمة الأولى التي تستحق ان تخلد الى جانب المعلقات في جدار الكعبة، صنعها الدوسري وفريقه العظيم المبارك بدعم قيادة ما بخلت وتركت كل المساحات متاحة للتجربة والاستعداد، فكان الحماس والامل والاتكال على الإرادة والحب للراية التي لن تحمل كلمة اعظم من لا اله الا الله، وجعلوا العالم يقف اجلالا لثلاثية فريدة ما بين الفوز على الارجنيتي بالاهداف، والفوز على بولندا باللعب والتصميم، والفوز على المكسيك بالصمود لآخر سلاح مقاتل انهى معركة، واستعد لنصر 2026. فاستنزف الحلم حين واجه متطلبات أخرى للتواجد في كأس العالم، وهي ثقافة الخبرة للتواجد في الملعب الأخضر والصراع للبقاء في مربع المونديال، تلك الخبرة لا تصنع فقط من التطور التكنولوجي في التدريبات والإمكانات المادية رغم أهميتها، لكنها تراكمية لثقافة كرة القدم التي تنطلق من كرة الشوارع وتحقيق الممارسة الرياضية من قناعة وجدان الآباء والامهات لا الاحتراف والفرص، هي ثقافة امة تؤمن بالقدرة على الانتصار كمفهوم وعقيدة، وتصنع من الهزيمة خطوة نحو الفوز القادم، تتعامل مع كرة القدم انها غاية للفوز والسعادة، تتجاوز التردد في شفافية الاعلام والإدارات المتنافرة والقادرة على تحديد معالم كل مرحلة والحكم عليها بالعقول والعلم وليس فقط بالعاطفة والحب، هذا ما اثقل واستنزف لاعبي السعودية لانهم حملوا آمال امة وقومية، فانقلب سحر الفوز على الارجنيتي للعنة أطاحت باحلام اللاعبين التي باركها سمو ولي العهد محمد بن سلمان عندما التقاهم قبل المونديال مودعا وقال لهم " استمتعوا باللعبة "، فاستمتع الجميع الا هم، فرحت الملاعب رقصت القلوب ودمعت العيون الا هم، صمدوا حتى امام الحزن والفرح فأدمت قلوبهم نزيف عضلاتهم وتمردت اجسامهم على استنزاف اقصى طاقاتها، حيث لا يحق لهم الاستمرار والتمادي في تجاوز حدود الطبيعة للقدرات فكانت الإصابات وكان السقوط بشرف. حينها فقط غضب الدوسري وفريقه العظيم ووقفت الجماهير شاكرة لثلاثية لن يصنعها سوى رجال الدوسري، الذين انتصروا على ضعفهم وحققوا تجربة ارتحال القرارات لا الاحلام نحو 2026 وبلاد العام سام حيث الشماخ سيكون تعويذة اصيلة لكرة القدم ما بعد قطر. ملحمة ثانية صنعها منتخب الحب والجمال منتخب التمازج المبدع بن اصالة العروبة والتمرس بثقافة الغرب، ملحمة التونسي حيث اذهلنا بإصراره على الخروج بما يليق به، فاسقط حامل اللقب بهدف لم يحمله للتأهل بل وضعه امام قرار استثمار هذا الحب من جماهيره الزاحفة، ورؤية مونديال 2022 للعرب وحقهم ببلوغ التتويج، ليعيد التفكير في استراتيجيات لم تفلح وبعد المرة السادسة من تجاوز هضبة الانتقال للامام، حيث ما زال الفكر التونسي عالقا بازدواجية عربية أوروبية حول كرة القدم التي اختبرت للآن وأثبتت ان مهاراتهم قادرة على الابداع وتحدي الصعب لكنها عاجزة عن الفوز والانتقال لما يليق بامكاناته الحقيقية، لان المنتخب التونسي حين لا يتقن سوى اللعب مع الكبار اذن هو غافل عن شيئ ما لكنه وكما قالت احدى المشجعات التونسيات " أفرحونا ". ملحمة أولى وثالثة وتتطلب المراجعة والمصارحة انه العنابي مشروع فكر خانته الحنكة في الحفاظ على القواعد الأساسية التي لا تلغيها كل الإمكانات واستثمار القوانين، هو منتخب امة ولدت في الصحراء التي لا تعترف الا بالاصالة في استقبال الوافد في البيت حيث الخيمة قطرية بامتياز، تقوى قيمها مع كل شعاع تسمح له الشمس ان ينير محيطها، العنابي لم يصمد امام مواجهة الثقافات والامم، في حين صنعت قطر تلك المواجهة، تعقيد محزن يتطلب الوقوف والدراسة والاعتراف، بان مخرجات الامة يجب ان يكون من فكرها الأصيل وأدوات الإنجاز يجب ان يغلب عليها اصالة الهوية الوطنية لا المواطنة، أخفق العنابي واخفق الفكر الذي صنعه باعتماد التجنيس وان كان مدفوعا برغبة التسارع نحو الاستعداد لتحقيق معايير الاستضافة منذ 2010. يحق لقطر ان تنتصر بالعنابي كما انتصرت بالسعودي والتونسي والمغربي، ويتطلب من القيادة ان تعمم فكرها على كل تفاصيل مكونات المنظومات الوطنية وخاصة الرياضة التي ابدعت قطر باستثمارها لتحقيق المفهوم الحقيقي للاستدامة ومؤشرها الرفاهية 2030.، من خلال تجربة عربية فريدة بنكهة لا يمكن التخلي عنها او استنساخها، لان قطر قررت وجعلت لكرة القدم منبتا عربيا هنا حيث الصحراء رحبت بكل هؤلاء القادة الواعدين الراغبين بصنع امجاد اممهم، فكان 2022 مواجهة الحقيقة وفهم المغيب تحت طائلة الإمكانات والدعم والاستعانة بالخبراء، قطر قررت والسعودية برهنت ان الحياة تصنع من الصبر والتحديات وان سفينة الصحراء تخلق هنا، فتمكن من هرولته خلف صهيل الاصيلة من عبور الأرض فتوحات وانتصارات، ألهمت قادة واعدين مازجوا الحضارات في تطلعاتهم وامتلكوا الشغف والقرار لصنع مجد يليق بأمة اختارت لسمائها نجوما لن تطغى عليها أقمار مصنعة. جدلية منطقية عندما يفوز السعودي على الارجنتين والتونسي على فرنسا، لقد فاز الحلم فاز الوطن وفاز المواطن لكن كرة القدم تاريخ وعقيدة يلعبها الاوربيون للبحث عن هوية لحضارة اعتقدوا دائما انها قادرة على تجاوز حضارة العرب التي الهمت كل أمم الأرض كيف تكون الإنجازات، فكانت كرة القدم المتولدة من رحم إنجلترا منفذا لن اتردد بالقول للشعور بالافضلية فيها عن العرب وحققوا ذلك عبر إعطاء زخم الاهتمام والتطوير في ضوء كل مراحل تشكيل مجتمعاتهم وصراعاتهم بل وحروبهم اذ لم تتوقف الحرب بلعبة الأعداء ليلة الميلاد فكانت المباراة الشهيرة بين فرنسا وألمانيا. هذه هي كرة القدم العالمية والأوروبية بالتحديد الفوز فقط والاستثمار لكل شيء في سبيل تجاوز الاخر، وهذا ما لم ندركه لم تكن كرة القدم من قائمة أولويات أمتنا العربية المنشغلة بما صنعته أوروبا لها، لتعيقها عن التقدم.