‏في السودان يزهر الريحان

بالنظر عميقاً إلى الإمكانيات البشرية والمالية والموارد المتاحة والمؤشرات الحيوية الأخرى لمقومات النهضة الاقتصادية مثل المساحة والسكان والتعليم والصحة ومؤسسات الدولة في السودان تجد تناقضا مفيدا وإيجابيا، بمعنى أن هشاشة النظام المؤسساتي في بعض القطاعات تفتح الباب سريعا لتكون مؤسسات جديدة إحلالية متطورة نظراً لتوفر الإمكانيات، وأن الركام المتناثر فوق شكل الدولة القديمة يمكن أن يكون هو نفسه دافعا أساسيا لينبت مؤسسات مهنية جديدة تعتمد معايير الأداء الفعال والتميز المؤسسي والكفاءة في التوظيف والشفافية في الرقابة والجودة في المخرجات، ويدعم هذه الفرضية توفر إمكانية نسخ وتعديل التجارب الناجحة حول العالم، والتكنولوجيا الحديثة وخبرات السودانيين المنتشرة حول العالم والتي تتيح لهم نقل الخبرة والمعرفة والتطبيق من الخارج إلى السودان بنكهة سودانية، ولكن هنالك شرط كبير لنجاح العملية الانتقالية بشكلها الشمولي الفعال وهو خلق آلية احتواء فعالة للمنظومة القديمة بما يضمن التكامل والتفاعل وعدم الإقصاء وضمان المصالح وكسب الولاءات وتحجيم الفساد وإنتاج مفاهيم تعاون جديدة يتفق عليها الجميع وإعادة إنشاء منظومة تنتج السلطة بشكل شبه ديمقراطي متناسب وطبيعة المناخ السياسي في السودان. ومن الجانب الآخر لابد من تفعيل الحالة الاندماجية خصوصاً في المؤسسات المالية الدولية ذلك على طريق إعادة فتح باب تدفق الاستثمارات الدولية وفتح التعاملات البنكية العالمية مع الدولة ودعم وتثبيت سعر الصرف للعملة واستقرار ميزان التجارة الدولي على وتيرة نمو ثابتة ووضع الخطط الشمولية الإستراتيجية للنمو المتوازي في الدولة بين البنية التحتية وباقي مناحي الإنفاق الحكومي من جهة وبين تطور الناتج الإجمالي المحلي من جهة أخرى، بما يضمن عدم تشكل فجوات ولا فقاعات في الاقتصاد المحلي، ذلك تعزيزاً لثقة كافة المتعاملين مع هذا الاقتصاد. إنني وبكل الموضوعية والمهنية أعتقد أن السودان بشكله الحالي يشكل أكبر فرصة في تاريخه الحديث وفي تاريخ الأمة لأن يكون رائد النهضة العربية المعاصرة ونقطة تحول في تشكيل ميزان القوى في المنطقة، بكثير من الإيمان وكثير من العمل من المؤكد سيصل إلى ذلك، حفظ الله الأمة وأعاننا على سفهائها فهم أشد فتكاً بنسيجها الداخلي وهذه من أهم التحديات التي تواجه التطور والتغيير على كل المستويات سواء المؤسسية أو الدولة، وهنا أود التأكيد على ما ذكرته سابقاً من أن بعض أشكال «الفساد» يمكن تقبل التعامل معه بشكل محدود في حالة التغيير الشمولي لضمان عدم الإعاقة، ولكن ما لا يمكن التعامل معه هو الشللية المؤسسية بمعنى تشكل كيانات غير رسمية داخل الكيان الرسمي تكون بينهم مصالح مشتركة مبنية على فكر أو أيدولوجيا أو قومية أو غيرها ويكون ولاؤهم لمجموعتهم أولوية الأولويات، فيصبحون فوق المحاسبة وأخطاؤهم غير محسوبة ويمنعون التغيير بطريقة يصعب تتبعها ويصدرون الصور الإيجابية عن الأداء بشكل مغلوط ويظهرون في النهاية بمظهر المتفاني في العمل. هذه الشللية هي أشد أنواع سرطانات المؤسسات فتكا وأصعبها اكتشافاً ومحاربتا، ومكافحتها تحتاج إلى جهد وتنبه ومتابعة وذكاء، ولكن استئصالهم يبقى دائما واجبا مقدسا.