إنقاذ

تلجأ المصارف والشركات والمؤسسات العاملة في قطاعات الصيرفة والتأمين والخدمات وغيرها إلى عمليات انقاذ عاجلة كلما تراجعت مبيعاتها أو ضعف انتاجها المعلن عنه والمضمن في الخطط والبرامج أو واجهت خسائر في عائداتها أو تعرضت إلى عمليات ابتزاز أو تم تضييق الخناق عليها عبر أشكال من المنافسة الشرسة من مثيلاتها والتي تشهدها الأسواق باستمرار، وعادة ما يتم اللجوء في مباشرة الانقاذ إلى البحث عن شخصية تتميز بالكفاءة والخبرة والثقة وفقا لمحددات وشروط تتناسب مع طبيعة المهمة، ويتوسم فيها القدرة على التعامل مع الموقف الذي اختيرت لمعالجته، وتغيير الواقع السيئ وإجراء تحديثات وإصلاحات وتغييرات تعالج الخلل وترفع من المبيعات والارباح وتنهض بالقطاع أو المؤسسة وتحسن الأداء تدريجيا، وتمثل عملية اختيار الشخصية التي تقدم لها عروضا مغرية وامتيازات واسعة، بعد تقييم فترة عملها خلال مرحلة ما لحظة اختبار قد تتغلب خلالها على التحديات وتتجاوز المعضلات وتحقق النجاح، أو تسقط في الاختبار فتزداد الأوضاع سوءا وتتعاظم المشكلات والاخفاقات، ليتم البحث من جديد عن شخصية أخرى تنقذ الموقف. بشأن عمليات الانقاذ شاهدت قبل سنتين فيلما لا يحضرني اسمه، ولكنني ما زلت أذكر موضوعه الذي تناول فيه قيام مجموعة من البنوك الاستثمارية الامريكية واليابانية بتضييق الخناق على بنك بريطاني ما تزال تديره ذات العائلة التي أسسه جيلها الأول قبل أكثر من مائتي عام مضت، والذي تمكن من الصمود أمام الحروب وسنوات الكساد، ولكن وبسبب تمويله الضخم لمشروع حقل غاز تعرض للتدمير بعد زلزال ضرب الموقع هبطت أسهمه إلى ما يزيد عن 75%، ما أدى إلى انهيار ثقة المستثمرين والممولين والزبائن. وقد تمكن مديره (المنقذ) بمعاونة فريقه الجيد من معالجة الموقف الحرج للمصرف ومواجهة الهجمة الشرسة التي تعرض لها عبر جملة من القرارات من ضمنها إصلاح بيئة العمل وتعزيز ثقة الزبائن والحصول على ودائع بفضل العلاقات الواسعة والثقة السابقة التي أسسها في السوق واقناع عدد من الأصدقاء. ما يعجبني في هذه القصص والروايات سواء أكانت تستمد تفاصيلها من أحداث حقيقية أو من نسج خيال كاتبها، أنها تقدم مفردات تحفيزية توعوية تعليمية منتقاة بعناية، ومعاني ودلالات تعبر بدقة عن عالم الواقع وتبعث برسائل قيمة تعظم في النفس الانسانية قيم العمل والابداع، والاقدام على المخاطرة والحث على تكرار المحاولة وعدم الاستسلام إلى اليأس، وتقدم نماذج للنجاح وكيفية ترتيب الأولويات والقدرة على تحقيق الأهداف والتطلعات وتربط بين التركيز على تعزيز رضا المستهلك والأطقم العاملة وبين نجاح المؤسسة وتحقيقها لأهدافها. يبدأ عرض الفيلم بعبارة أطلقها بطله (إياك واليأس) وذلك بعد نجاحه في إصلاح إناء خزفي ثمين، في ومضة من مشهد قصير يقدم لمضمون الفيلم ورسالته الحقيقية. وعندما وجه مدير أحد المصارف المنافسة سؤاله الاستكشافي إلى المدير التنفيذي الجديد (المنقذ) حول خططه وبرامجه الإنقاذية، أجابه بعبارة موجزة تحمل مزيجا من الذكاء والفطنة وبعد النظر وتوجه لكمة قوية إلى الطامع في الاستحواذ على المصرف بأسعار زهيدة (لقد قمنا بالتشذيب، قطعنا الخشب الميت وزرعنا بذور نجاح الأمد البعيد).