الخوف من نقص الغذاء أو المجاعات لم يعد كما كان في السابق محصورا في حدوثها بشكل موسمي عابر مرتبط برقعة جغرافية محدودة غالبا ما تكون في قارة إفريقيا أو جنوب شرقي آسيا وربما في أمريكا اللاتينية نتيجة الجفاف أو التصحر أو نزاعات أهلية أو حرب بين دولتين تؤدي جميعها إلى موت الناس بكميات كبيرة جراء الجوع وأمراض نقص التغذية.
لقد نشأ خوف آخر من موت الناس جوعا بشكل أكثر عددا وأكثر ديمومة وفي أماكن كثيرة من العالم. أماكن لم يكن بعضها يعرف طعم الجوع مطلقا. على الأقل منذ قرون.
ليس هذا رجما بالغيب أو نبوءة عراف عن نهاية كوكب الأرض. فقد توقع تقرير نشرته الإندبندنت البريطانية وقام بإعداده عدد من الأكاديميين والباحثين المختصين في التغير المناخي، أن التغير المناخي، قد يتسبب في وفاة 150 ألف شخص سنويا في أوروبا وحدها بنهاية القرن الحالي، وأن حالات الوفيات الناجمة عن الظواهر المناخية القاسية ترتفع إلى الضعف.
الجفاف ونقص الغذاء الذي سيصيب أوروبا والذي بدأ في إصابتها بالفعل ليس عابرا، إنه ناتج عن تحول كلي في مناخ الكوكب، تحول ليس من المأمول أن تعود الأمور بعده إلى ما كانت عليه قبله.
الخطر لا يحدق بأوروبا وحدها فعندما دعا ناشطون بيئيون من منظمة «أصدقاء الأرض» إلى العمل سريعا بشأن تغير المناخ كانوا ينطلقون من واقع مؤلم ومرعب يفيد بأن عددا ضخما من البشر في جميع أنحاء العالم يموتون بالفعل بسبب الظواهر المناخية القاسية ودون اتخاذ إجراءات متضافرة بين الحكومات، وأن الأمر سوف يزداد سوءا.
تقول منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة أن «أول ضحايا ارتفاع درجات الحرارة والكوارث المناخية هو الأمن الغذائي، وهو النظام الأكثر هشاشة في الدول النامية والأقل نموا، ويمس أكثر الناس ضعفاً وأقلهم موارد». و«هناك في الوقت الراهن انخفاض عالمي في إمدادات المياه، وتدهور نوعية التربة، وإزالة الغابات، ما يسهم في نحو 11 في المائة من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في العالم، وما يسفر عنه من تغير المناخ الذي يؤثر تأثيرا شديدا في الموارد الطبيعية والنظم البيئية للكوكب».
إذا أمعنا النظر جيدا سندرك إلى أي مدى ستشهد العقود المقبلة مجاعات أكثر كارثية واستدامة من كل ما شهدناه قبلا ما لم تتدارك شعوب الكوكب وحكوماته وقواه الحية والمتنفذة الموقف قبل فوات الأوان.
وحسنا فعلت حكومات الدول التي سعت للاستثمار الزراعي خارج حدودها وحسنا فعلت حكومات الدول التي سمحت باستئجار واستثمار أراضيها الزراعية بواسطة دول أخرى، ويكون من الذكاء والحكمة إذا تضافرت الجهود للقضاء المبرم والحاسم على أي استغلال للموارد يضر بالبيئة ويزيد من نسبة الاحتباس الحراري وتعرية الغطاء النباتي أو غيرها من الظواهر التي كانت سببا في حدوث التغير المناخي بالأساس.