التقليد الأعمى

يعتبر التقليد والمحاكاة من العوامل المؤثرة في أنماط الاستهلاك، حيث يتأثر الفرد في سلوكه الاستهلاكي بمن حوله من أقارب وأصدقاء وزملاء في العمل، وقد يلجأ البعض الى اقتناء بعض من السلع والخدمات باهظة الثمن أو السفر على الدرجة الاولى والتي في الواقع لا يحتاجها أو ليس معتادا على شرائها بسبب ارتفاع اسعارها فيلجأ لشرائها ليس رغبة أو حاجة إليها وإنما لمحاكاة من حوله من الجيران والاصدقاء حتى لو تطلب الامر انفاق كل مدخراته أو الاقتراض لشرائها، كثير من الأفراد مثلا يحاولون محاكاة زملائهم ذوي الدخل العالي أو محاكاة مستويات المعيشة السائدة في العوائل الغنية أو تلك السائدة في الدول المتقدمة، فيقومون وبشكل أعمى بتقليد نمط الاستهلاك السائد في تلك المجتمعات وفي تلك العوائل حتى يظهروا بمستوى مغاير وأفضل من الواقع الذي هم فيه، ولذلك تزداد كمية السلع المطلوبة من هذه الفئة متوسطة الدخل على السلع الكمالية وسلع البريستيج غالية الثمن بناء على عنصر التقليد والمحاكاة وليس الحاجة في اقتناء تلك السلع.  التقليد والمحاكاة كعامل مؤثر في نمط الاستهلاك موجود في أغلب المجتمعات المتقدمة والنامية على حد سواء ولكن بمستويات مختلفة، وقد أشار إليه كثير من المفكرين الاقتصاديين في أبحاثهم ونظرياتهم الاقتصادية. ولكن عندما يتحول التقليد إلى تقليد أعمى وإلى مصدر الى التباهي والتفاخر عندها يصبح التقليد مرضا نفسيا أو وباء اجتماعيا يجب اتخاذ ما يلزم للقضاء عليه، لأنه سيكون سببا للتخلف والفقر ومصدرا قويا لإهدار الموارد وضياع المستقبل لأفراد المجتمع وعدم تمكن الدولة من تنفيذ سياساتها الاقتصادية. فعندما تكون نسبة كبيرة من أفراد المجتمع متخلفة فقيرة غير مدركة بمستقبلها والحفاظ على مواردها المحدودة وكيفية استغلالها وتكييفها لتحسين المستوى المعيشي وبناء مستقبل أفضل عندها يعم الجهل في المجتمع ويصعب تنفيذ الخطط والسياسات التنموية، حيث إن غالبية المجتمع يصبح عائقا وغير قادر على المشاركة والتفاعل مع تلك الخطط والسياسات الاقتصادية. في المجتمع المصاب بوباء التباهي والتفاخر يكون غالبية أفراده مشغولين في أمور هامشية غير تنموية وحتى عقولهم تكون مشغولة بأفكار لا صلة لها بالتنمية وبناء مستقبلهم فيتحول إلى مجتمع مزيف غير منتج وغير مبتكر لا يهمه المستقبل بقدر ما يهمه الحاضر، ولا يمكن الاعتماد عليه في بناء دولة وحضارة. هذه ظاهرة سيئة للغاية ومع الأسف الشديد يعاني منها مجتمعنا منذ عقود من الزمن أي منذ الطفرة النفطية في العقد السابع من القرن الماضي، والتي أدت إلى وفرة مادية وانفتاح اقتصادي واجتماعي على العالم مع غياب السياسات المناهضة والمناهج المعالجة لمثل هذه الظاهرة وكذلك السياسات الاقتصادية المحفزة على الانتاج واستغلال الموارد المتاحة. لقد أثر هذا الوباء في سلوكياتنا وعاداتنا إلى أن أصبح المظهر الخارجي أساساً في بناء العلاقات الاجتماعية والحكم على الآخرين.