تدور مناقشات جدية في المجلس النيابي هذه الأيام حول الموازنة اللبنانية لسنة 2019. النقاش متأخر لأننا في نصف السنة لكنه يبني للمستقبل اذا كان هذا هو الهدف الحقيقي للسياسيين. قال وزير المال انه حتى في هذه الظروف الحرجة، تم توظيف آلاف الأشخاص في الدولة. أين هي روح المسؤولية والروح الوطنية في بلد ينوء تحت ثقل العجز والدين؟ ما يحصل في لبنان من صراع سياسي اجتماعي اقتصادي يدعونا الى التساؤل حول أهلية الادارة وصوابية القوانين والمؤسسات وصحة قواعد اللعبة. نمر في ظروف استثنائية تتطلب ادارة مناسبة غائبة. ما هي الانعكاسات السلبية لحجم الدين العام؟ التأثير على التضخم أي الانفاق العام غير المجدي من دون انتاج مقابل يسبب زيادة في الأسعار. يتم زيادة الانفاق على السلع الاستهلاكية وعلى الأجور وليس على الأصول الاستثمارية. الانفاق بحد ذاته غير سيئ اذا أحسن توظيفه وتوقيته. ان زيادة الدين يضعف القطاع الخاص اذ يسحب المال المتوافر له للاقتراض وبالتالي يرفع تكلفة الدين عليه أي الفوائد، كما يخفف من الفرص المتوافرة. يجد القطاع الخاص صعوبة في الاقتراض لأن هنالك سهولة في اقراض عميل واحد هو الدولة اللبنانية حيث يتم استبدال قرض بآخر أي تسديد دين واصدار آخر. هنالك مسؤولية كبيرة من قبل الأجيال الحالية تجاه الأجيال المستقبلية حيث نحملهم ثقل دين عام كبير هم غير مسؤولين عنه. فهل هذا أخلاقي وكيف نقتل فرص النهوض المستقبلي؟ نحملهم مسؤولية احداث نمو كبير لتأمين معيشتهم ولتسديد الديون السابقة المتراكمة. لا يمكن للعجز أن يبقى مرتفعا من دون حدود ولا بد من ايجاد مصادر التمويل. فمن أين نأتي بالضرائب حيث الشعب غير قادر حتى على القيام بواجباته تجاه نفسه؟ أم نأتي بها من الايرادات غير الضرائبية كالهاتف والكهرباء التي لا تنعم بالنوعية الجيدة، فكيف نرفع سعرها؟ من المستحيل اليوم تخفيض حجم الدين العام، بل ما نحلم به هو تخفيض نسبة نموه عبر السيطرة على قيمة العجز المالي السنوي. ما هو الحل بل ما هي مجموعة الحلول؟ العمل الجدي على تخفيض الانفاق أقله عبر وقف التوظيف في كل الادارات والمصالح. الغاء عقود الايجارات لمؤسسات الدولة ونقلها كلها الى عقارات تملكها الدولة وهي متوافرة. يمكن تخفيض الكثير من الانفاق الاستهلاكي. يجب العمل الجدي على زيادة الايرادات عبر حسن التحصيل خاصة في المرافق العامة حيث الهدر هو الأعلى. هنا تكمن أهمية بل ضرورة محاربة الفساد حيث لا نشعر بعد بجدية المكافحة. ان محاربة الفساد لا تحسن فقط انتاجية الادارة العامة بل ترفع قيمة الايرادات المحصلة كما تخفض قيمة الانفاق وتكلفة المناقصات والمزايدات. البدء بمحاربة الفساد يربط المواطن أكثر بدولته. يجب وضع برنامج لتنفيذ وتطوير البنية التحتية التي لا اقتصاد من دونها. محاربة الفساد تشجع القطاع الخاص على الاستثمار وبالتالي يتحرك النمو وترتفع فرص تسديد الدين في المستقبل.