البُعد الاجتماعي الغائب في البورصات الخليجية

قالت بعفوية شديدة «إذا ربح الزوج في سوق الأسهم يتزوج بأخرى وإذا خسر تكون الزوجة عرضة للطلاق». كانت هذه إجابة إحدى زوجات المتعاملين بسوق الأسهم، في الدراسة الميدانية، التي قامت بها ورصدتها، إحدى كليات خدمة المجتمع للبنات بالمملكة العربية السعودية، عن أهم الآثار الاجتماعية لسوق الأسهم على الأسرة السعودية. فلا أحد ينكر الأهمية الكبيرة للبورصات الخليجية، كونها تمثل التطور الطبيعي العالمي للمؤسسية الاقتصادية الهادفة للاستثمار والتنوع الاقتصادي وجذب التكنولوجيا، فسوق المال السعودي «الأسهم»، يمثل أحد أكبر الأسواق الناشئة في العالم فضلاً عن أنه يصنف بأنه أكبر سوق مالي في العالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط كما تصنف باقي البورصات الخليجية بالواعدة والآمنة حيث زادت هذه البورصات من ثقة الأفراد والمؤسسات بتأكيد سلامة الوضع المالي والاقتصادي في هذه الدول، فقد استطاعت البورصات الخليجية وفى فترة زمنية قصيرة في الحد من هجرة رؤوس الأموال الوطنية للاستثمار بالخارج، بل وتعدى ذلك، إلى استقطاب بعض رؤوس الأموال العربية والإقليمية والأجنبية إلى الداخل الخليجي، وقد لازم هذا ميلاد شركات وكيانات اقتصادية عملاقة نافست وبقوة في الأسواق المحلية والإقليمية والعالمية. غير أن هذا التطور الحاصل، لم يستطع حتى الآن أن يحد من أهم مشكلة تعانى منها البورصات الخليجية، وهى ظاهرة المضاربات السريعة، على كثير من الأسهم وخاصة الضعيفة منها، والتي تؤدي في أحيان كثيرة إلى حركات تصحيحية قوية، ينتج عنها خسائر مالية كبيرة، لأصحاب الأسهم وخاصة الصغار منهم، كما يمكن أن تؤدي هذه المضاربات، مع غيرها من الأسباب الاقتصادية والسياسية الأخرى إلى إحداث أزمات مالية في هذه الأسواق، وهو ما حدث فعلاً مع الأزمة التي أصابت البورصات الخليجية في عام 2006م والتي تسببت في إفلاس عدد كبير من المضاربين والمستثمرين، كما امتدت هذه الخسائر، لتشمل إفلاس عدد كبير من الشركات المتخصصة في إدارة المحافظ المالية وكانت هذه الخسائر قد أحدثت هزة بالمجتمع الخليجي، تعددت فيها الأبعاد المالية والاقتصادية إلى الأبعاد النفسية والاجتماعية المعقدة، وبالرغم من اهتمام جميع المتخصصين من هيئات سوق المال والبنوك المركزية والمحلية وشركات إدارة المحافظ الخاصة والمستثمرين والمضاربين بدراسة وتحليل الجانب الاقتصادي لهذه الأزمة وغيرها من الأزمات التي مرت بها بعض البورصات الخليجية، فقد كان دائماً يتم تجاهل الاهتمام بدراسة وتحليل الآثار الاجتماعية الناشئة عن هذه الأزمات والتي تمثل من وجهة نظري بعداً إنسانياً لا يمكن تجاهله على الإطلاق فلا يمكن فصل حاجات الإنسان الاجتماعية والسلوكية عن الأمر الاقتصادي. وقد تمثلت معظم هذه المشاكل في زيادة حالات الطلاق وإصابة كثير من المتعاملين بهذه البورصات بالأمراض النفسية والعضوية أطلق عليها الأطباء مرض الأسهم، هذا وقد تحملت الكثير من الأسر أعباء اجتماعية قاسية نتيجة لحجز البنوك على ممتلكاتهم وذلك لعجزهم عن سداد القروض الممنوحة لهم فضلاً عن إفلاس عدد كبير من صغار المتعاملين. إن دراسة الجانب الاجتماعي والإنساني للمتعاملين مع البورصة بما فيها، من تتبع للحراك الاجتماعي المصاحب للمكاسب والخسائر في البورصات وانتقال المتعاملين من طبقة اجتماعية إلى طبقة أخرى وكذلك أهم الآثار الاجتماعية المتعلقة بالأسرة أصبح مطلباً لا يمكن إغفاله في جميع الحالات فالقبول والتأييد المجتمعي للمؤسسات الاقتصادية الناجحة يضمن لها الصعود والانطلاق. وأخيراً فإن منظومة المؤسسات الاقتصادية الفاعلة في المجتمع الخليجي ومنها البورصات بطبيعة الحال تحتاج إلى تبني رؤى اجتماعية داعمة، إلى جانب الرؤى الاقتصادية الواعدة. وتحتاج أيضاً أن تتكامل فيها الأفكار والسياسات والممارسات والحلول حتى تساهم في التنمية الدائمة والمنشودة.