أولادنا وفلذات أكبادنا، حلمنا الجميل المُستمِر بالتطوُّر والنجاح، الفرصة الثانية التي نسعى من خلالها لتحقيق أحلام وآمال كثيرة لم تُسعِفنا أيامنا للوصول اليها، امتدادُنا الطبيعي ودواؤنا الشافي لنزعة البقاء التي نُفكِّر بها حتى بعد موتنا، مسؤولياتهم تجاهنا كما نراها عديدة، ومنها الطاعة والبِرُّ والنجاح، أما مسؤولياتنا تجاههم فكما يرونها هم هي التربية والحماية والتعليم، تداخلات عديدة بين حياتنا وحياتهم تربطنا بهم برابط يتعدى رابط الدم والقرابة لينتقل إلى مستوى آخر وهو رابط روحي نرى من خلالهم أنفسنا ونحن نُصلِّح أخطاءنا ونهزِم عثرات ماضينا، نعمل بكل جهد ودون كلل ليكونوا وكما نأمل مستعدين لمواجهة متاعب الحياة وتحدياتها، بأفراحها وأحزانها وبكل ما تحمل من انتكاسات ونجاحات، لكننا ونحن البشر الخطّاءون غالبا ما نقع في مصيدة حب الذات والايمان بالمُتكرِرات التي تعوّدنا عليها، فما كنا نراه عملا جيدا في صبانا لم يزل برأينا هو أفضل ما يُمكن لأولادنا القيام به، وما كان يكفينا لقوت يومنا في صِبانا هو ما يجب أن يكفيهِم الآن في شبابهِم، معادلة غير صحيحة اختبأت بين جدران الحياة الساكنة التي عشناها وباتت تُهدِّد أولادنا بأن تستمر في حبسِهم بين ثناياها. من الناحية الاقتصادية والمالية فإن سرعة التغيرات والتحوُلات الكبيرة التي بات يمُر بها عالمنا السريع أصبحت اليوم احد أهم أسباب التغير الكامل في نموذج العمل والحصول على العوائد وهو ما جعل من التربية الاقتصادية تحديا حقيقيا يواجه الأجيال الجديدة من أبنائنا، وهنا يأتي السؤال المهم، فما التربية الاقتصادية؟ وما الهدف منها؟ وهل تغيّرت عما كانت عليه سابقا أم أنها ما زالت تعتمد على نفس المُعطيات القديمة؟ أولا وقبل كل شيء فإنه من المهم جدا معرفة ان التربية الاقتصادية هي توجيه الأفراد والأشخاص وجهة عامة يتفق عليها المُجتمع ويتعارف عليها الناس بحيث إنها لا تتعارض مع النظام السائد من التعاملات الاقتصادية للأفراد، وخاصة فيما يتعلّق بجانبي الإنتاج والاستهلاك، بوصفهما الركيزة الأساسية للحياة الاقتصادية للأفراد والمجتمعات وبما يساعِدهم ويُمكِّنهم من تحقيق دخل يتناسب مع احتياجاتهم، وبشكل أكثر بساطة فإن التربية الاقتصادية تعني تشكيل تفكير وقُدرات المواطِن من ناحية العمل والإنتاج والاستهلاك بحيث ينمو عضوا نشيطا وفاعلا من الناحية الاقتصادية والمالية، ومُنتِجا ومؤثرا في موارد وحياة المجتمع الذي ينشأ فيه، وهي بذلك شأنها مثل شأن أنواع التربية الأخرى كالتربية السياسية أو الاجتماعية وغيرهما من أنواع التربية الأخرى تساعد على احترام وتطبيق القواعد والقوانين الاقتصادية والمالية السائدة في المجتمع والدولة مثل قانون العمل وقانون الضرائب مثلا. أما الهدف الأساسي من هذه التربية فهو إعداد وتجهيز الأفراد والأبناء لمواجهة التحديات والصعوبات الاقتصادية التي قد تواجههم في المستقبل لتلبية حاجاتهم ورغباتهم المختلفة، بالإضافة إلى توعية الأبناء بالأصول والقواعد والتوجيهات المرتبطة بالحركة الاقتصادية له وللأسرة والمجتمع الذي يعيش فيه وذلك لتأمين مصدر دخل وسلوك استهلاك يتناسب مع الاحتياجات الموجودة والموارد المُتاحة، وبالتالي فان الهدف منها وبشكل مُختصر هو إعداد وتأهيل الأبناء لوضع الخطط وإصدار القرارات الاقتصادية والالتزام بالسلوك الاقتصادي الذي يتماشى مع الإمكانيات المتوافرة وتوجهات المستقبل في المجتمع الذي يعيشون فيه بما يساعد على الاستغلال الأمثل للموارد وبالتالي تحقيق نمو يتناسب مع تزايد احتياجات الناس والأفراد. وهنا تجدر الإشارة إلى أن التربية الاقتصادية مِثلها مِثل جميع مُكونات الحياة تغيرت كثيرا في السنوات الماضية، فنحن وبنظرة سريعة نجد أنه وفي السابق كانت المُجتمعات القديمة تعتمد على التربية البدنية القوية والسليمة كمدخل للعمل وبالتالي فقد كان الإعداد البدني هو أساس قطاع الأعمال، لكنه وبمرور الوقت تضاءلت أهمية القوة البدنية وأصبح العلم والمعرفة هما أساس الوظائف والنجاح الاقتصادي، اما في يومنا هذا وفي الأيام القادمة فإن الابداع والقدرة على الابتكار أصبحا هما العامل الحاسم لتغيير المستوى المادي للأشخاص، فالفكرة أصبحت لها حقوق ملكية والقصائد أصبحت لها حقوق طبع ونشر. وأخيرا وليس آخرا فإنه وبرأيي الشخصي فإن التربية الاقتصادية بمفهومها الحديث باتت تعتمد على التربية الفكرية والعلمية وعلى تنمية المهارات الإبداعية والابتكارية الكامنة في كل شخص، فالفكرة أصبحت تساوي الملايين والتطبيقات الذكية باتت هي أساس قطاع الأعمال، وها هو الذكاء الصناعي يطرق الأبواب ليقول لكثير من الوظائف شكرا لكم، قد كفّيتُم ووفّيتُم، ولم نعد بحاجة لكم في عالمنا الذكي الجديد، وما السيارات الذكية وتطبيق "شات جي بي تي" إلا نسخة أولية من أدوات مساعدة ستكون مُتوافرة مع جميع رواد الأعمال، عِلما أن تقارير "رويترز" تشير إلى أن "شات جي بي تي" (ChatGPT) وهو برنامج روبوت الدردشة الشهير قد وصل إلى 100 مليون مستخدم نشط شهريا في يناير الماضي، وذلك بعد شهرين فقط من إطلاقه، مما يجعله تطبيق المستهلك الأسرع نموا في التاريخ، وهنا أستذكر مقولة "راي كورزويل" الذي يقول "أنا أعمل على أن يقوم الذكاء الاصطناعي في الواقع بعملية فهم اللغة الطبيعية، على أن يتم ذلك عبر جعل أجهزة الكمبيوتر تفهم معنى المستندات".