هل تنسحب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؟

آراء عديدة تطرح يوميا في الصحافة العالمية عن رغبة بريطانيا بالخروج من منظومة الاتحاد الأروربي أو بقائها في هذا التكتل الأوروبي الذي انضمت إليه في عام 1973. لقد تأخرت بريطانيا في بداية الأمر من الانضمام إلى الجماعة الاقتصادية الأوروبية التي تم تأسيسها عام 1957بعكس عدة دول أوروبية أخرى كألمانيا وإيطاليا وبلجيكا وفرنسا ولوكسمبورج وهولندا التي انضمت إلى تلك الجماعة، فيما فشلت محاولات بريطانيا لاحقا في الستينيات من القرن الماضي بالانصمام إلى الجماعة، وتلقت معارضة من بعض الدول خلال عامي 1963 و1967، خاصة رفض الفرنسيين بقيادة شارل ديجول بضم بريطانيا. اليوم نرى أن هناك محاولات وبقوة تؤكد مجددا رغبة معظم الشعب البريطاني بالخروج من الاتحاد، بينما تغير منذ مدة بسيطة توجه الحكومة البريطانية بالبقاء في هذا الكيان الذي يضم 28 دولة. لقد جاءت دعوة الانسحاب من الاتحاد الأوروبي عندما أعلن ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطانى عقب نجاحه فى الانتخابات العامة الأخيرة عن رغبته فى إعادة التفاوض على شروط ووضع بريطانيا فى الاتحاد الأوروبي، في الوقت الذي يرى غالبية الشعب البريطاني بأن تحقيق الانسحاب سيكون في صالح دولتهم واقتصادهم. وهذا لا يعني بعدم وجود معارضة لآراء ورغبات أولئك الذين ينادون بالانسحاب من الاتحاد الأوروبي، والأمر يميل اليوم لدى الحكومة بالبقاء في دول الاتحاد الأوروبي، خاصة بعدما حصل رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون من بروكسل مؤخرا على "الوضع الخاص" الذي كان يطالب به لبلاده. لكن أصبح الموضوع شاقا وصعبا بإقناع البريطانيين بالتصويت من أجل بقاء بريطانيا داخل الاتحاد الأوروبي في الاستفتاء الذي سيعلن عن تاريخه لاحقا. ولإقناع الرأي العام كتب كاميرون في حسابه على تويتر مؤخرا "المملكة المتحدة ستكون أقوى وأكثر أمانا وازدهارا في الاتحاد الأوروبي، وأصلح نظاما، بعدما انتزع من شركائه الأوروبيين الـ 28 اتفاقا في القمة التي عقدت ببروكسل أخيرا. تاريخ الاستفتاء حول بقاء أو خروج بريطانيا من الاتحاد قد تم تحديده يوم 23 من شهر يونيو المقبل، وكاميرون أصبح اليوم يود البقاء مؤكدا في حديثه بأنه سيخوض حملة عاطفية بجميع جوارحه لإقناع الشعب البريطاني بالبقاء في الاتحاد الأوروبي المعدل، في الوقت الذي تشير النتائج الحديثة أن نسبة عدد البريطانيين المؤيدين للخروج من الاتحاد تخطى 53% مقابل 47% في شهر يناير من الشهر الماضي وفق نتائج استطلاع للرأي أجراه معهد "سورفيشن"، بينما أصبح عدد من وزراء بريطانيا يميلون إلى الخروج من الاتحاد، في الوقت الذي أصبح كاميرون يواجه فعلا معارضة قوية من المشككين في جدوى البقاء والداعين إلى الاستقلال نتيجة لوجود الكثير من الكفاءات ببريطانيا التي يرونها ستكون أفضل حالا إذا ما خرجت من الاتحاد الأوروبي، بينما يرى بعض المسؤولين الآخرين بأن المفاوضات المكثفة التي أجريت مؤخرا نتجت عنها تعزيز الوضع الخاص لبريطانيا داخل الاتحاد الأوروبي. لكن هذا لا يعني كما أشار إليه الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند حصول بريطانيا على استثناءات من القواعد الأوروبية، موضحا أنه ليس هناك مراجعة مقررة للمعاهدات وحق فيتو للمملكة المتحدة على منطقة اليورو.  ومن هنا سيبقى المجتمع السياسى البريطاني وداعمو البقاء والخروج منقسمين حول هذا الأمر لحين الوصول بنتائج الاستفتاء المقبل. فبريطانيا تود في استعادة بعض السلطات التى تخلت عنها للاتحاد الأوروبي، بما فى ذلك تحديد ساعات العمل، والاتفاقيات المتعلقة بالجوانب الأمنية وتبادل المجرمين، وأخيرا وهو الأهم خوف بريطانيا من سيطرة دول منطقة اليورو الـ ١٧ على مجريات اتخاذ القرار فى الاتحاد الأوروبي. كما أن قضية الهجرة تعتبر مصدر قلق رئيسيا لبريطانيا حيث ترى بريطانيا عدم مقدرتها على منع مهاجرى الاتحاد الأوروبى من دخول البلاد تحت مبدأ حرية الحركة بين أعضاء الاتحاد. أما الثمن الاقتصادي الذي ستدفعه بريطانيا في حالة الخروج هو خسارتها الكبيرة للنفاذ إلى الأسواق الأوروبية، حيث كشفت نتائج دراسة في هذا الشأن عن أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى سيكلفها خسائر تقدر بنحو ٢٢٤ مليار جنيه استرليني، فى حين ستتكبد دول أخرى خسائر طفيفة إذا قررت الانسحاب، وهذا ما سيجعل بريطانيا مرغمة على إعادة التفاوض حول بعض الاتفاقيات الثنائية مع الدول الأخرى، واضطرارها إلى مراجعة الكثير من التشريعات التى أقرتها لتنفيذ قرارات على مستوى الاتحاد الأوروبي، وهو ما سيشكل عبئا اقتصاديا كبيرا يصعب التكهن بتكاليفه. وهناك الكثير من القضايا المعلقة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بموضوع أزمة الديون الأوروبية، وحقوق الإنسان وبعض التشريعات. فهل سيشكل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى انتصارا لها أم خسارة للشعب البريطاني؟