تحت ثقل عددٍ من الضغوط المالية القاسية، تمثلت في التراجعات الحادة لأسعار النفط المغذي الأهم والأساسي للإنفاق الحكومي في البلدان الخليجية، ونمو أحجام وتكلفة خدمة الديون بأنواعها، وارتفاع بنود الإنفاق على المشاريع والخدمات والرواتب، والركود الاقتصادي الذي تسببت فيه جائحة "كوفيد١٩" فيما بعد، اضطرت الحكومات الخليجية إلى إقرار سياسات صعبة لتعويض الفوارق المتسعة باستمرار بين الدخل والإنفاق، تمثلت في رفع الدعم عن عدد من الخدمات الأساسية كالكهرباء والوقود والماء، وإقرار وزيادة جملة من الضرائب والرسوم، ووقف الترقيات، والتراجع عن تنفيذ عدد من المشاريع المكلفة رغم أهميتها، وهو ما تسبب في قلق المجتمعات الخليجية واهتزاز الثقة بالمستقبل، وعدم الرضا بالطبع عن هذه السياسات، والخوف من اللجوء إلى خفض الرواتب والأجور... ولكن مع تحسن أسعار النفط في الأسواق العالمية وارتفاعها المستمر وما أحدثته من فوائض وجهت إلى سداد جزء من الديون، واستبدال بعضها بأخرى تكون فوائدها أقل، انفرجت أسارير المسؤولين والخبراء في المؤسسات المالية، وتراجعت الضغوط بشكل تدريجي، ما حفز على تخفيض رسوم الخدمات الحكومية التي تراوحت في سلطنة عمان، ما بين "17و100% لتحفيز ودعم الاقتصاد الوطني وتقديم تسهيلات تساعد المستفيدين من الخدمات..." وإقرار الترقيات خلال عامي 2022 و2023، وتنفيذ المشاريع المتوقفة وإقرار مشاريع حكومية أخرى جديدة سوف تسهم في إنعاش عدد من القطاعات الاقتصادية. المؤتمر الإعلامي "الأولي" لميزانية 2023م، الذي بُث إعلامياً في العشرين من ديسمبر الماضي بحضور وزراء ووكلاء المالية والاقتصاد والتجارة والصناعة والاستثمار، أعلن بأن "جملة الإيرادات العامة الأولية للميزانية العامة للدولة 2023م، سوف تصل إلى 11 ملياراً و650 مليون ريال عماني" على أساس احتساب متوسط سعر النفط بـ "55" دولاراً، في مقابل إجمالي إنفاق متوقع أن يصل إلى "12 ملياراً و950 مليون ريال عماني"، وعجز مقدر بـ "3’1 " مليار ريال عماني، ويراعي بناء الميزانية على 55 دولاراً لسعر برميل النفط التحوط من تقلبات أسعار النفط مستقبلاً، وإلا فالتوقع بأن يصل سعر البرميل في 2023م إلى 94" دولاراً وفقاً لتصريح وكيل وزارة المالية في المؤتمر الصحفي، الذي خضع لتحليلات وتعليقات واسعة من قبل شرائح المجتمع، تباينت وجهات النظر حوله بين تشاؤم الكثرة وتفاؤل القلة، تستند النظرة الأولى على ضغوط ارتفاع عدد الباحثين عن عمل والمسرحين من الشركات والمؤسسات الخاصة وركود السوق، وضعف الثقة في سياسات التنويع التي لم تصل إلى الأهداف المتوخاة في الخطط والبرامج المقرة، وعدم اليقين من المستقبل في ظل استمرار اعتماد الميزانية على موارد النفط.. في ذات المؤتمر الصحفي أكد وزير المالية على أن الدين العام وبفضل السياسات التي اتبعتها الحكومة، قد انخفض من 70% في 2020 إلى 43% في العام 2022م". من جهته أعلن وزير التجارة والصناعة وترويج الاستثمارات أن حجم الاستثمار الأجنبي المباشر بلغ حوالي "17 ملياراً حتى نهاية الربع الثاني من العام الحالي". وقال رئيس جهاز الاستثمار العماني إن المبالغ التي تستهدف المشروعات الاستثمارية خلال عام 2023 سوف تصل إلى "مليار و900 مليون ريال عماني". ما يهم المجتمعات الخليجية ويشعرها بنجاح السياسات المالية ويعزز ثقتها في المستقبل أن تحقق خطط وبرامج التنويع والاستغناء التدريجي عن النفط كمورد أساسي أهدافها الموضوعة.