الخطط والاستثمار

تعد الحكومات الخطط والبرامج التنموية، من أجل الوصول إلى غايات وأهداف تسعى إلى تحقيق التطوير وتحفيز الأنشطة والقطاعات والأوردة الاقتصادية لتنمية الموارد المالية وتعزيز الدخل من جهة، وضمان التوازن بين الدخل والانفاق من جهة أخرى، وتحسين وتجويد الخدمات ومشاريع البنية التحتية وتحقيق مؤشرات متقدمة في الخدمات الصحية والتعليم والازدهار. وإضافة إلى تلك الغايات، فتسعى كذلك إلى تهيئة بيئة جاذبة للاستثمار المحلي بتوطينه وضمان استقراره، والخارجي بتشجيع جذبه وهجرته إلى الداخل للاستثمار في البلاد، وتوفير المزيد من فرص العمل للمواطنين واحتضان المواهب والكفاءات والاستثمار في الذكاء الاصطناعي، وتحريك الأوردة والأنشطة السوقية وتعزيز القوة الشرائية وتحقيق المزيد من الرخاء للمواطن وتحسين الدخول. بمعنى تشكيل لبنة قوية للانطلاق إلى المستقبل بدعامات وركائز تحقق التقدم والاسهام في البناء الحضاري. وتتصدر شعارات تشجيع وجذب الاستثمارات المشهد الاقتصادي التي تحتشد بها البرامج والخطط - خاصة وقت الانكماشات والأزمات المالية - وتتضمنها تصريحات المسؤولين وخطابات الإعلام الرسمي، ترافقها الوعود البراقة بالتيسير والتسهيل وإزالة العوائق واقرار جملة من سياسات التحفيز. ولكن ووفقا لما تظهره الأحداث والمشاهد وتؤكده المواقف والنتائج المعلنة في معظم الدول العربية فإن تلك الوعود تظل حبيسة التنظيرات والشعارات والأوراق عاجزة عن الوصول إلى حيز التنفيذ والتحقق الفعلي، فالتعقيدات الإدارية والمماطلة والمطالبات التعجيزية والتوهان في حلقة مفرغة وتعطيل المعاملات لإجبار المستثمرين على دفع رشاوى أو الدخول في شركات مع أصحاب القرار والنافذين أو إعاقة بعض الاستثمارات لتحقيق مصالح تجار كبار آخرين. مما يشتكي منه ويتداوله المستثمرون باستمرار في نماذج وأمثلة وتجارب شخصية لأصحابها يطرحونها في وسائل التواصل ووسائل الإعلام والمجالس الخاصة. فما الذي يتطلع إليه المستثمر سواء أكان محليا أو عالميا قبل اتخاذ قراره للاستثمار في بلد ما والاطمئنان إلى مستقبل أمواله وإلى تحقيق أرباح ترضيه؟ لا شك بأن تلك الدوافع والمحفزات يمكن تعدادها في الآتي: أولا: الشعور بالاطمئنان إلى حالة الأمن والاستقرار في البلد الذي يسعى إلى استثمار أمواله فيه، والتأكد من أنه لا مؤشرات تلوح في الأفق تفصح عن قلاقل واضطرابات وصراعات داخلية قد تحدث، ولا توقعات بتدخلات خارجية ونشوء بوادر لحرب إقليمية، فالسياسة في العادة تفسد البيئة الاستثمارية. ثانيا: تسهيل الإجراءات وانسيابيتها وغياب التعقيدات وضمان عدم تأخر المعاملات أو غيابها، والتعامل مع المستثمر باحترام وإنسانية باعتباره ثروة ومكسبا، والإحساس بقوة القانون وتطور التشريعات وتطبيقها والتي تضمن للمستثمر حقوقه وحريته في إدارة استثماراته والتحكم في أمواله.  ثالثا: التقدم في مؤشرات المحاسبة والمساءلة ومكافحة كل أوجه وأشكال الفساد الإداري والمالي والاطمئنان إلى أن الحقوق محفوظة والعدالة تسري على الجميع. رابعا: ما تفصح عنه نتائج دارسات الجدوى من الاستثمار التي تبنى على دعائم ومؤشرات القوة الشرائية والمحفزات المتوفرة وتوفر العمالة وما تتمتع به من مهارات ومستوى الرواتب والتصنيف الائتماني للبلد واحترام وتقدير المؤسسات المالية العالمية له والبنى التحتية القوية.. إلى غير ذلك مما استعرضه المقال.