إتقان

أوضح الله تعالى في منهج عباده الصحيح الواضح سبب الخلق والوجود وبين ماهية الاتقان في العمل وضرب مثلا في ذلك ولله المثل الأعلى حين قال تعالى (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ). وقد رجعت في تفسير هذه الايات الى تفسير ابن كثير وابن عاشور وهي تشير بداية بكلمة تبارك الى منتهى الكمال ووفرة الخير والكمال والاتقان المطلق في خلق الله ثم تأتي التكملة بقوله تعالى (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور) وهنا الإشارة المباشرة لسبب الخلق والوجود وهو ليبلوكم أي ليختبرنا جميعا أينا افضل عملا ولم يقل اكثر عملا بالإشارة الى الكم ولكن التوجيه الإلهي جاء واضحا صريحا وهو بجودة واتقان العمل نوعا وليس كما، ثم يأتي المثل الرباني العظيم في الاتقان ليخاطب كل مقصر في عمله وكل من يبرر لنفسه الخطأ والتقصير، تأتي الآية يقول الله تعالى (الذي خلق سبع سماوات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور). ذلك هو الله المتقن المبدع سبحانه الذي خلق تلك السماوات المتطابقة المتتالية لا ترى فيها اختلالا ولا اعتلالا ولا تفاوتا ويدعونا الله ان نمعن البصر فيها وندقق في ابداع خلقه ويطرح سبحانه التساؤل (هل ترى من فطور) أي عيباً او نقصاً او خللاً، لا لن نجد وهي قمة الابداع الالهي والاتقان الذي يؤكد عليه تعالى في التكملة بقوله تعالى (ثم ارجع البصر كرتين ينقلب اليك البصر خاسئا وهو حسير). مهما ارجعنا البصر لن نجد خللا ولا عيبا ولا نقصا بل ان البصر هو الذي سيرتد ذليلا منكسرا ارهقه الاعياء، ولله المثل الأعلى، أي ان الاتقان في العمل ومراعاة الجودة هي الأساس في العمل الذي هو الأساس والسبب في الوجود والخليقة وان أساس الاستمرار في الاعمار والتنمية هي التقوى والاتقان في العمل مهما كان مكان الشخص كما اشرت في البداية، وأكمل استشهادي في الآية الكريمه التالية (ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين واعتدنا لهم عذاب السعير) اتقن الله خلقه ثم زين السماء بالمصابيح وسبب تلك الزينة. والبديل اذا لم نتقن عملنا واذا تجاهلنا ضمائرنا وقفزنا فوق القيم والأخلاق تحت ذريعة «البزنس» وضرورات الربح وتبريرات النفس الأمارة بالسوء، البديل جاء ذكره واضحا أيضا في كتاب الله بقوله تعالى ( قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ). حيث يشير الشيخ زيد بن مسفر البحري في وصف نزع الملك كمن ينزع جلد البهيمة ويقول فضيلة الشيخ الشعراوي رحمه الله إن ذكر كلمة ينزع الملك تأتي لأن صاحب النعمة يعز عليه ان يفارق نعمته فيتمسك بها فاذا لم يصنها نزعت منه نزعا. الأخوة الأعزاء إن هنالك حكمة ربانية وسببا لوجودك الآن على رأس عملك وهي (ليبلوكم أيكم أحسن عملا) فتذكر ذلك دائما يكن لإتقانك دافع وإلى أن نتقن أعمالنا هذه تحية.