يختزل كثير من الاقتصاديين والمحلليين أسرار نجاح التجارب الاقتصادية العالمية ببلدان العالم المختلفة في كفاءة إدارة الجانب الاقتصادي البحت وبشكل احترافي دون غيره من الجوانب في إحداث التقدم الحاصل بها غير أن التحليل الواقعي والمنصف لهذه التجارب يؤكد على أن هذه النجاحات قد اعتمدت على جوانب أخرى مكملة جنبا إلى جنب مع الشأن الاقتصادي والتي لا يمكن تجاهلها على الإطلاق بل إنها كانت من الأسباب المباشرة للتقدم. فإذا كان الجانب الاقتصادي قد اعتمد على وضع رؤية اقتصادية واعية تضمنت في الحسبان الإمكانات والقدرات الخاصة بالدولة وسيادة الفكر الاقتصادي المتفتح وحسن كفاءة تخصيص الموارد وترتيب الأولويات والتمويل القيمي فإن المعرفة هي المحرك الأساسي للنمو وكذلك ربط عمليات الإنتاج والمنتجات الجديدة بالأبحاث العلمية مع التطبيق المرن للسياسات الاقتصادية وكذلك قبول المواطنين الواعي للثقافة الاقتصادية والخاصة باحترام العمل وأهميتة وتجويد الإنتاج والالتزام بالنظام والقانون. ولاشك أن الاهتمام بالجوانب الأخرى بجوار الجانب الاقتصادي قد شكل أعمدة رئيسية ومهمة لنجاح هذه التجارب والتي تمثلت في عدة أمور منها الجانب الاجتماعي فقد أكد التطبيق الفعلي على أرض الواقع أنه لا يمكن نجاح أيه تجربة اقتصادية في أي من دول العالم إلا إذا كان هناك قبول شعبي نابع من أعماق المجتمع يدعم هذه التجربة وأن تحقق هذه التجربة طموحات السكان جميعهم بالقرى والمدن وجميع المناطق على حد سواء وأن تكون هناك أولويات واضحة لتحسين مستويات المواطنين وخاصة لمستويات الدخول الدنيا وكذلك تحقيق مجتمع السلام الاجتماعي من خلال تفعيل كافة الحقوق الإنسانية دون التمييز على أساس العرق أو المذهب أو الديانة وأما الجانب السياسي فيتمثل في التفعيل الأمثل لدور السياسة المهم في خدمة الاقتصاد وهو ألا يكون الاقتصاد في خدمة السياسة فتفسد السياسة ويفسد الاقتصاد وأما الشأن الدولي فيتمثل في التعاون ومن منطلق القوة الاقتصادية مع المؤسسات الدولية حيث أن التعاون يؤسس دائما لمصداقية حضارية للدولة أمام العالم ويفتح لها الباب على مصراعيه لزيادة معدلات التبادل التجاري والاستثماري وقد اتضح أن هذه التجارب حظيت بتولي شخصيات قيادية دفة الحكم فغيرت مجرى التاريخ الاقتصادي بدولها كما هو الحال في قيادة محاضير محمد لنهضة ماليزيا ولولادي سيلفا في البرازيل ولي كوان في سنغافورة وغيرهم كما اعتمدت هذه التجارب على الفكر المؤسسي في جميع المجالات وكذلك تدعيم المؤسسات بالقيادات الشابة والمؤهلة وهو ما يجعل نظرة المراقبين لهذه التجارب نظرة واعدة لمستقبل مشرق مستدام وكذلك تطبيق القانون بشكل حازم على الجميع دون استثناء مع الإنجاز في سرعة التقاضي وتبسيط الإجراءات ومكافحة الفساد بكافة الطرق والوسائل وأخيرا فهل نستفيد من أسرار النجاح بتجارب العالم الاقتصادية العظيمة والصعود العالمية ونكون في مقدمة الفاهمين والمتفوقين؟ أتمنى ذلك.