أسواق المال.. يوم لك ويوم عليك!

جميعنا تابع أو شاهد ما حدث بالأيام الأخيرة من تطورات على مستوى فيروس كورونا وتأثير هذا المرض على اقتصاديات الدول وحركة أسواق المال خاصة بعد دخوله مرحلة جديدة من حيث انتشاره خارج دولة الصين ووصوله خلال الأيام الماضية إلى أمريكا اللاتينية عبر بوابة البرازيل لتتجاوز حالات الإصابة به الاثنين والثمانين ألف حالة على مستوى العالم. جميعنا بات يعرف تأثير الفيروس على حركة التجارة الدولية، وكذلك على كل من حركة السياحة والسفر والنقل والإنتاج، ففي الصين، مصانع أغلقت وشركات توقفت ومراكز تسويقية باتت خاوية، مدن تحت الحجر الصحي وخوف لدى المستهلكين عند شراء أو حتى استعمال أي منتج. أسواق المال ونظرا لارتباطها الوثيق باقتصاديات الدول فإنها باتت من أكثر المتأثرين بهذا الفيروس، وبالتالي فإننا شهدنا خلال الأسبوع الماضي فقدان الأسواق الأوروبية والأمريكية ما يقارب الـ 13% من قيمتها السوقية وهي أكبر موجة انخفاضات تتعرض لها هذه الأسواق منذ الأزمة المالية 2008 – 2009 والتي أدخلت العالم في مرحلة الركود والكساد في ذلك الوقت. بالحديث عن خسائر العالم في أسواق المال فقد قدرت بحوالي ثلاثة تريليونات دولار حتى الآن، ناهيك عن خسائر ومصاريف أخرى تكبدتها الدول والحكومات. بنك «غولدمان ساكس»، توقع أن الشركات الأمريكية لن تحقق نمواً للأرباح في العام 2020 مع انتشار فيروس «كورونا» خارج الصين، وهذا ما يزيد من المخاطر المحيطة بالنمو العالمي، تأثرا بالتراجعات المتوقعة لكل من اقتصاديات الصين والولايات المتحدة الأمريكية، حيث خفض «بنك أوف أميركا» توقعاته للنمو العالمي إلى أدنى مستوى منذ ذروة الأزمة المالية العالمية في 2009، ليتوقع متوسط نمو عالمي بنسبة 2.8%، انخفاضاً من توقعات سابقة بلغت 3.1%. وبالرغم من حالات الهلع والخوف وبالرغم من تأثير فيروس كورونا المستجد على الأسواق والمنعكس سلبا على الشركات العالمية، إلا أن بعض الصناعات والشركات استفادت من هذه الظروف فقد أثبتت الأرقام ارتفاع مبيعات منتجات الوقاية مثل الأقنعة الواقية وبعض المنتجات الطبية مثل أجهزة قياس الحرارة والتي سجلت مبيعاتها رواجا كبيرا حيث سارعت السلطات بشرائها للتحقق من عدم إصابة المسافرين في المطارات بالحمى والأماكن العامة الأخرى وذلك سعيا لاحتواء الفيروس، أما بالحديث عن سوائل تطهير الأيدي ومواد التنظيف، فقد أعلنت مجموعة «ريكيت بينكيسر» وهي التي تملك مصنع ليسول وديتول في بريطانيا مثلا أن الطلب على منتجاتها ارتفع في الصين ودول أخرى، أما في نيويورك فقد سجل سهم شركة «كلوروكس» ارتفاعا قياسيا حيث وصل لمستويات 174 دولارا لترتفع القيمة السوقية للشركة لما فوق الـ 20 مليار دولار في الأسبوع الماضي. أما الذهب والذي يتداول عند أعلى مستوياته منذ سبعة أعوام، فقد ارتفع بأكثر من 8% منذ بداية العام، كما زاد «غولدمان ساكس» توقعاته للأسعار المستهدفة لأوقية الذهب (الأونصة) هذا العام بواقع 200 دولار، ليستهدف برأيه 1800 دولار للأونصة في حال استمرار تأثير انتشار فيروس «كورونا» إلى الربع الثاني من العام. ومن هنا يأتي السؤال المهم، هل من الممكن تحقيق الأرباح في ظل هذه الظروف العاصفة؟ وتأتي الإجابة بأنه يجب على من يرغب بصناعة الثروات أن يضع عينا على الخيارات التسويقية للشركات التي قد تستفيد من الأزمة على أن تتميز حركة رأس ماله بالمرونة والسرعة، وكذلك أن يضع العين الأخرى على الأسهم الأكثر تضررا وانخفاضا ليستغل وصولها إلى مستويات قد تجعل منها فرصة لا تتكرر للربح والاستثمار. وفي النهاية تبقى مقولة «عند الأزمات تصنع الثروات» هي العزاء الأساسي والمحفز الأهم للاستثمار وقت الأزمات.