ما يميز دولة قطر بقيادة حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، أنها تعتمد التخطيط العلمي لتحقيق أهدافها الإستراتيجية القريبة والبعيدة، وهو ما عبرت عنه رؤية قطر 2030، وإستراتيجية التنمية الوطنية 2011 – 2016 التي تنتهي مفاعيلها في هذا العام، بعد أن اعتمدت أربع عشرة إستراتيجية، غطت مختلف جوانب القطاعات في دولة قطر. هذه الإستراتيجية كخطة عمل شاملة، ساهمت بتعبيد الطريق نحو نجاحات اقتصادية واجتماعية وتعليمية وبشرية غير مسبوقة، ليس على مستوى الإقليم فقط، وإنما على مستوى تجارب عالمية مشابهة، وهي تمهد الطريق لنقل المجتمع القطري إلى مكانة أكثر رفعة، والاقتصاد القطري إلى مدماك أعلى ارتفاعا، على مستوى التخطيط والتنفيذ والنتائج والخبرات والتقنيات والقدرات. فالإصلاحات التي نفذت من خلال هذه الإستراتيجية وفي إطارها، طالت العملية الاقتصادية والاجتماعية والخدمية، لتسفر عن معطيات غاية في الأهمية كتقدم دولة قطر دول العالم بنموها الاقتصادي، كما في العام 2015 مثلا باحتلالها المركز الثاني وبنسبة بلغت 7.1%، واستقطابها استثمارات أجنبية بلغ حجمها في قطاع الصناعة وحده في عام 2014 نحو 20.3 مليار دولار، وتصدرها ترتيب التقارير الصادرة عن المؤسسات والمحافل الدولية بمكانتها الرفيعة، إن على مستوى التصنيف الائتماني لوكالات التصنيف العالمية، عند درجة «AA» للديون السيادية طويلة الأجل، و«A-/1+» للديون قصيرة الأجل، و«Aa2» للديون السيادية، أو احتلال المرتبة الثالثة عشرة في قائمة التنافسية العالمية والثانية عربياً لعام 2015، أو مكانتها الأولى عربيا في مرحلة الاقتصاد القائم على الإبداع والابتكار. وطنت دولة قطر من خلال هذه الخطة اقتصاد المعرفة المتنوع وقللت الاعتماد على الإيرادات من النفط والغاز، ودمجت مفهوم المشاريع الصغيرة والمتوسطة (مشاريع شبابية) ضمن العملية الاقتصادية، بحصة شكلت 80% من إجمالي المشاريع الجديدة، لتساهم بحوالي 17% من مجمل الاقتصاد القطري، وطورت مبادرات لتحفيز القطاع الخاص ليلعب دوره بإقامة المشاريع، والاستثمار. ذلك كله - وهو على سبيل المثال وليس الحصر- تحقق بالإصلاحات التي تميزت بدقة أولوياتها، وحصافة أهدافها، وصوابية اتجاهاتها، وجوهرية نتائجها، ما منح مزيدا من الثقة بمستقبل الاقتصاد القطري، وأنبأ سلفا عن المكانة التي سيكون عليها، ليشكل حاضنة للمستثمرين الخارجيين والمحليين، والمجتمع المدني، والقطاع الخاص، للمشاركة الفعلية في تحقيق النجاح، عبر التناغم بين مصالح هذه الأطراف، التي تعي أن لها دورا حقيقيا بالمساهمة في مسيرة النهوض الاقتصادي، والبناء عليها. الجهاز الحكومي كان جزءا من إستراتيجيات الخطة، وفي صلب عملية إعادة البناء لتطويره وتحديثه، ليواكب متطلبات النهضة الجديدة بغاياتها، والمهارات المعرفية والفنية والمهنية التي تحتاجها. على صعيد الحوكمة الرشيدة، والرقابة الخلاقة، والتوجيه الفعال، والتدخل الذكي، امتثالا لتوجيهات حضرة صاحب السمو أمير البلاد المفدى بتطوير الخدمة المقدمة، مستوى وجودة ونوعية، لتجاوز البيروقراطية في الأداء، وتقليل الهدر في الإنفاق، انسجاما مع المصلحة الوطنية، واستجابة للخطة نفسها التي توقعت من بين سيناريوهات أخرى، انخفاض أسعار النفط والغاز، وهذا هو مكمن الدقة فيها، وهي تلامس أوجه حالات عدم الاستقرار في الإيرادات نتيجة هذا الانخفاض، وتحتاط للتعامل معها، وهو ما جَنَّبَ دولة قطر المخاطر، وجعل منها الأكثر ثباتا في مواجهتها عندما وقعت، بل والأعلى نموا رغم آثارها. كما تنبأت الخطة سلفا بأن النمو الاقتصادي خلال الفترة بين 2012 و2016، سيكون أقل عنه في سنوات سابقة، وضمن حدود 5%، حتى بافتراض عدم وجود مساهمة من القطاع الهيدروكربوني، وهذا يعني أن معدل النمو الاقتصادي الأعلى في المنطقة والعالم، قد تحقق في ظل انخفاض أسعار النفط، مما يؤكد أن الاقتصاد القطري يقلل اعتماده على القطاع الهيدروكربوني لصالح التنوع الاقتصادي المرتبط باقتصاد المعرفة، بدليل أن النمو في القطاعات غير النفطية في عامي 2013 و2014 مثلا بلغ 12%.