«الرأسمالية» - الجزء الأول

يعد هذا الكتاب الذي تتجاوز صفحاته الـ «٥٥٠» صفحة، واحدا من أهم المراجع متعة وتشويقا في عرضه للرأسمالية التي شبهت الكاتبة «جويس أبلبي» نشوءها بـ «قصة بوليسية» أو «لغز» فكيف كانت الافرازات التي على ضوئها تشكلت قيم الرأسمالية؟ كانت البداية الحقيقية في القرن السادس عشر عندما شهدت الأسواق التجارية تحولا بارزا في التصنيع وانتاج الغذاء «كصناعة السكر والتبغ والقطن والشاي والمنسوجات الحريرية التي وفدت إلى قارة أوروبا من الشرق وجزر الهند الغربية وما وراءها» فقاد هذا التحول إلى تحولات أخرى مهمة من أبرزها: ازدهار الحياة المعيشية للمجتمعات الأوروبية - توصل العلم إلى «طرق مدهشة لتوليد الطاقة» - فحقق «الانتاج قفزة نحو الأمام»، على ضوء هذه التطورات البارزة ظهرت «الرأسمالية» وهي «نظام قائم على الاستثمارات الفردية في إنتاج السلع الصالحة للبيع لتحل - شيئا فشيئا محل الأساليب التقليدية في تلبية الحاجات الأساسية للمجتمع؛ فمنذ المراحل الأولى من الثورة الصناعية حتى ظهور الاقتصاد العالمي الحالي عملت سلسلة من الثورات المتعاقبة بلا هوادة على تغيير عادات البشر ومواطنهم».  لقد رافق تطور الأفكار والمثل التي شكلت الرأسمالية نموا في التجارب والابتكارات والاكتشافات العلمية انبثقت عنها نهضة إنسانية شاملة يغذي كل تقدم علمي مجالا اقتصاديا وثقافيا ليأخذ التقدم صفة التكامل والشمولية، إذ يرى الكاتب بأن الرأسمالية ومثلما هو نظام «اقتصادي فهو ثقافي كذلك» وبالقدر ذاته. اعتمد النظام الاقتصادي في العصور القديمة على ممارسات وهياكل تقليدية، وكانت المجتمعات تناهض التغيير، فعانت من الندرة، وشهدت سلسلة من المجاعات، و «انتشرت آثار الضعف الاقتصادي في أرجاء المجتمعات القديمة، مشجعة الهواجس والخرافات ومجيزة السلطة المطلقة للملوك والكهنة وملاك الأراضي والآباء». ويرى الكاتب في بعض المجتمعات الإسلامية بقايا هيمنة لـ «الأفكار التي سادت أوروبا ما قبل العصر الحديث» مثالا تلك «المتعلقة بالشرف والفصل بين دوري الرجل والمرأة، وطمس رغبات الفرد في إرادة الجماعة التي يعيش داخلها..» مشيرا في الوقت ذاته إلى أهمية التنمية الاقتصادية لاستيعاب الشباب الذين ينخرطون في الأعمال الإرهابية وينفذونها، ولـ «خلق مزيد من فرص العمل» في محاولة كما يبدو لربط ثقافة الارهاب بالمجتمعات الإسلامية.  قدم الكاتب ملخصا تاريخيا للرحلات والمهمات الاستكشافية نحو «العالم الجديد»، كتمهيد لنشأة «الرأسمالية»، والتي سيرها الأوروبيون «الإسبان والهولنديون والفرنسيون والإنجليز» وقادت إلى الهيمنة والاستعمار والاستحواذ على ثروات ومقدرات الشعوب الأخرى، حيث «سيق ما يقرب من ١٢ مليون من الرجال والنساء الأفارقة من أوطانهم وشحنوا إلى العالم الجديد للعمل في بادئ الأمر في المناجم والحظائر الإسبانية، ثم لاحقا في حقول السكر والأرز والتبغ التي أقامها الإسبان والهولنديون والفرنسيون..». أما البداية الفعلية لبروز الأفكار «الرأسمالية» فقد كانت في «إنجلترا» التي شهدت تحولات في «نظام إنتاج السلع» بدأت «في المجال الزراعي وانتهت في المجال الصناعي، نقطة بدء تحرر التجارة.. لتفرض حركيتها على القوانين والنسيج الطبقي والسلوك الفردي والقيم التي تحظى باحترام الناس». ورغم اختلاف الآراء حول بدايات تشكل النظام الرأسمالي، التي أرجعها باحثون إلى «العصور الوسطى» أو «ما قبل التاريخ» إلا أن «انجلترا وحدها هي التي شهدت النقلات التي تعين على الآخرين محاكاتها كي يتحولوا بدورهم إلى الرأسمالية».