اعتبر د. عمر فاروق إبراهيم عضو المجلس التنفيذي بمنظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك)، وممثل نيجيريا ومستشار وزير الطاقة النيجيري، أن سوق النفط وصل لمرحلة غير مستقرة منذ أن بدأت الأسعار في التراجع العام الماضي.
وأبدى إبراهيم في حوار لـ لوسيل تفاؤله بنجاح اجتماع أوبك في فيينا اليوم، متوقعاً أن يتفق الأعضاء على خفض إنتاج الأوبك لنحو 33 مليون برميل في اليوم كحد أقصى لإنتاج المنظمة.
وفيما يخص عودة النفط الصخري لسوق الطاقة العالمي قال فاروق إن دول أوبك لن تعمل على ارتفاع الأسعار حتى يعود النفط الصخري من جديد. لوسيل ناقشت مع إبراهيم قضايا الطاقة ومستقبل سوق النفط العالمي، وتوقعاته لاجتماع فيينا المقبل، والعلاقة بين النفط التقليدي والصخري وكيف تتم مفاهمات حصص الإنتاج بين الدول في الاجتماع المقبل وغيرها من القضايا في الحوار التالي:
◗كيف ترى سوق النفط؟
◗ سوق النفط اليوم في وضع غير مستقر تماماً، وحدث الكثير خلال السنة الماضية الأمر الذي جعل أسعار النفط تصل لمرحلة غير مستقرة للسوق ولصناعة النفط نفسها.
وكما تعلمون فإن منظمة الدول المصدر للبترول (أوبك) تعمل جاهدة لإعادة الاستقرار لسوق النفط وخلال اليومين سيجتمع أعضاء الأوبك في فيينا لاتخاذ بعض القرارات التي نعتقد أنها ستعيد الاستقرار لسوق النفط. إذا نظرنا لاجتماع الجزائر الأخير، سنجد أن اتفاق المنتجين لا يراوح مكانه، وأكثر من ذلك نجد أن المنتجين يحاولون الوصول لأعلى إنتاج قبل الاتفاق لأي اتفاق إلزامي.
◗إلى أي مدى سيؤثر ذلك على سوق النفط؟
◗ نعتقد أن في اجتماع فيينا وزراء النفط والطاقة سيحرصون على الموافقة على اجتماع الجزائر، ليس فقط من قبل أعضاء أوبك ولكن أيضاً من قبل الأعضاء من خارج أوبك ، نعم أتفق معك إن الإنتاج ارتفع منذ اتفاق الجزائر ولكننا سنعمل كمنتجين لتحديد الإنتاج لإعادة الاستقرار لسوق النفط.
◗ما هي توقعاتكم لخفض إنتاج النفط؟
في الجزائر اتفق أعضاء أوبك على خفض الإنتاج ما بين 32 33 مليون برميل في اليوم كحد أقصى، وحالياً الإنتاج وصل لنحو 33.8 مليون برميل في اليوم، ونتوقع أن يطبق الاتفاق على أرض الواقع في اجتماعات فيينا، ومن المتوقع أن يكون الاتفاق نافذاً بحلول أول يناير المقبل وحتى ذلك التاريخ سنرى أن إجمالي الإنتاج لن يكون أكثر من 33 مليون برميل.
◗المنتجون الكبار من خارج أوبك مثل روسيا يترقبون مخرجات اجتماع فيينا.. كيف تنظرون إلى ذلك في أوبك ؟
يجب أن نعلم أن خفض إنتاج النفط لا تقوم به دول أوبك وحدها، لأن إنتاج أوبك لا يمثل حتى نصف الإنتاج العالمي، فإذا كان سوق النفط العالمي في أزمة فيجب علينا جميعاً في أوبك وخارجها أن نساهم في الوصول لمعالجات لهذه الأزمة.
وإذا لم نفعل ذلك سندفع ثمن ذلك وأكثر من ذلك فإن المعاناة لا تشمل المنتجين من أوبك وخارجها ولكن حتى مستهلكي النفط سيعانون من انخفاض الأسعار على المدى الطويل، وبسبب انخفاض أسعار النفط فإن الدول والمستثمرين لن يستثمروا في النفط، بالتالي عندما تكون الحاجة للنفط فلن يكون موجوداً، إذن سترتفع الأسعار بشكل أكبر مما كانت عليه. ما أود قوله إنه من مصلحة الجميع، منتجين ومستهلكين، أن تكون الأسعار مستقرة في المستوى الذي يجذب الاستثمارات وهذا جيد للمنتجين والمستهلكين.
◗وما هي توقعاتكم لاجتماعات أوبك في فيينا؟
◗ أنا لا أتوقع أي شيء سوى الاتفاق، ولا يمكن أن يحدث هذا الاجتماع دون الخروج باتفاق لأن العواقب ستكون وخيمة وإن لم يحدث اتفاق في اجتماع فيينا لا أحد سيكون سعيداً على الإطلاق وسينهار النفط بطريقة سيتضرر منها الجميع.
وفي هذا الإطار نجد سعادة الدكتور محمد بن صالح السادة وزير الطاقة والصناعة، يبذل جهوداً لكبيرة بين الأعضاء للخروج باتفاق ينقذ سوق النفط، ولمصلحة الصناعة والمصلحة الدولية أن يخرج اجتماع فيينا باتفاق حول الإنتاج.
◗برأيك ما الذي نحتاجه حتى يكون هناك اتفاق بين أعضاء أوبك والمنتجين الآخرين؟
◗ هذه الدول تعاني، سواء كانت من أوبك أو من خارجها ولا يمكن أن تقارن أي دولة في خفض أو تجميد الإنتاج وكل دولة تتخذ قرارها وفقاً لما تراه مناسباً لها وحسب مصلحتها الوطنية، والطريق للخروج من هذه الأزمة هو التعاون والحوار لمناقشة المصلحة العامة المشتركة، أما إذا نظرت كل دولة للأزمة من منظورها الخاص سنفشل جميعاً.
أعتقد أن هذا هو السبب الذي دفع وزراء الأوبك في الجزائر لاقتراح لجنة عليا من أعضاء أوبك وبمشاركة ممثلين من خارج أوبك لمناقشة إيجاد حلول لهذه الأزمة سوياً.
◗ما هي عوامل النجاح لاجتماع أوبك المقبل؟ المراقبون يرون أن اجتماع فيينا هو نتيجة لفشل اتفاق الجزائر؟
هذا فهم خاطئ، فإن اجتماع الجزائر غير العادي، لم يتفق الأعضاء على كيفية خفض الإنتاج ولا الكمية والقرار الذي اتخذه أعضاء الأوبك هو الحرص على ألا يتجاوز الإنتاج 32.5 إلى 33 مليون برميل في اليوم ولا أحد قال إن هذا الاتفاق ينفذ الآن.
ولكن القرار بأن تقوم هذه اللجنة بتحديد الإنتاج في هذا المستوى. والقرار النهائي سيتخذ في فيينا بالاتفاق على رقم معين للإنتاج وتاريخ إنفاذ القرار.
◗عودة للاستثمار في النفط.. إلى أي مدى أثر انخفاض أسعار النفط على الاستثمار في القطاع مستقبلاً؟ وما هي الحلول؟
بالفعل خسر القطاع المليارات من الاستثمارات العام الماضي، وهذا العام يعتبر السنة الثانية لهذه الخسارة في قطاع الاستثمارات النفطية، ومن وجهة نظري إن لم يكن هناك إجراءات جادة لمعالجة هذه الأزمة هذا العام ستكون السنة الثالثة على التوالي من فقدان الاستثمارات في هذا القطاع.
فالذي يحدث الآن هو أننا نستهلك ما هو موجود لدينا دون أي جهود لإيجاد إنتاج جديد، وبالفهم الاقتصادي البسيط فإنه عندما يكون الإمداد قليلاً والطلب عالياً فإن الأسعار ترتفع بشكل أوتوماتيكي وبشكل كبير.
هنالك الكثير من الناس الذين يولدون كل يوم وأيضاً هناك الكثير من يموت يومياً، ولكن نسبة المواليد الجدد أكثر من الوفيات وكل هؤلاء يحتاجون للطاقة المستدامة يومياً، وبالمقابل فإن الطاقة الموجودة حالياً منخفضة لأنها لم تجدد ولا توجد اكتشافات جديدة ولا استثمارات، وهذا سيؤثر في الأسعار مستقبلا بسبب قلة الإنتاج وكثرة الطلب.
◗وكم هو حجم الفائض في السوق حالياً؟
فائض الإنتاج حالياً كثير وإذا نظرنا إلى الـ15 سنة الماضية، فعندما تجاوز الفائض في الماضي إنتاج 15 يوماً اعتقدنا أن هذا الفائض كثير جداً، وإذا كان احتياطي العالم أكثر من 15 يوماً كنا نعتبر ذلك كثيراً ولكن الآن فائض الإنتاج تجاوز 90 يوماً من الإنتاج والإنتاج الحالي ما بين 94 إلى 95 مليون برميل في اليوم هو إجمالي الإنتاج العالمي.
◗الحديث عن انخفاض الأسعار لا يمكن فصله عن إنتاج النفط الصخري.. هل تتوقعون أي اتفاق ما بين منتجي النفط الصخري والنفط التقليدي؟
كما نعلم فإن سوق الطاقة شهد تغيرات كثيرة، وقبل أن يدخل النفط الصخري للسوق فإن النفط التقليدي كان يلعب دوراً مهماً في السوق وبدخول النفط الصخري للسوق اليوم باعتباره نفطا غير اقتصادي وبتكلفة إنتاج عالية ما بين 70 إلى 80 دولارا للبرميل، وبالنظر للتقدم التكنولوجي نجد أن النفط الصخري قد خفض كلفة الإنتاج وأعتقد أنه يمكنه أن يخفض تكلفة الإنتاج أكثر وليس من مصلحة أوبك أن تبقى الأسعار في وضع غير مستقر، وبالتأكيد نحن في أوبك لن نرفع الأسعار حتى يدخل النفط الصخري للسوق.
◗هل تتوقعون أي تأثير للنفط الصخري مستقبلاً؟
نحن لا نعرف ولكنني أعتقد أن على منتجي النفط التقليدي أن يسألوا أنفسهم هل يمكنهم إنتاج النفط بتكلفة أقل من التكلفة الحالية؟، بالرغم من أن تكلفة إنتاج النفط التقليدي ليست عالية ففي بعض الدول نجد أن إنتاج النفط أقل من 10 دولارات للبرميل بينما في دول أخرى يصل الإنتاج لنحو 30 دولاراً، بالتالي نتساءل لماذا هذا الفرق الكبير؟.
هذا الفارق في التكلفة الإنتاجية أجبر الكثير من المنتجين على البحث عن بدائل لتقليل تكلفة الإنتاج، ففي الماضي مثلاً فإن عمليات الحفر كانت تكلف الكثير والآن خفضت أجور الشركات العاملة في الحفر وتكيفت مع الوضع. ففي السابق كانت المؤسسات لا تتنبه لتقليل التكلفة ولكنهم يفعلون ذلك اليوم.
لنأخذ مثالاً، فإذا كان سعر البرميل 70 دولاراً، فإن نحو 40 دولاراً تذهب للتكلفة والآن الأسعار وصلت لنحو 50 وأجبرت الدول على خفض تكلفة الإنتاج ما بين 20 إلى 25 دولاراً وهي نفس الدول التي كانت تنتج بتكلفة عالية.
◗وإلى أي مدى سيتأثر سوق الغاز بتراجع أسعار النفط؟
في بعض الأحيان يمكننا أن نقول إن سوق الغاز مرتبط بسوق النفط، لأن كلا منهما مصدر للطاقة فإذا ارتفع سعر أي منهما يؤثر على الآخر، ولكن سوق الغاز اليوم في وضع جيد بسبب الحاجة لطاقة نظيفة، والغاز لديه ميزة لا يملكها النفط فهو صديق للبيئة وأقل تعرضاً للتحديات التي يواجهها السوق. ونتوقع أن يزيد الطلب العالمي على الغاز في المستقبل.
إن نمو الاقتصاد العالمي انكمش وهذا بالطبع سيؤثر على الطلب على الطاقة، ولكن على كلٍّ فإن قطاع الهيدروكربون خاصة النفط والغاز سيهيمن على سوق الطاقة العالمي خلال الثلاثين عاماً المقبلة.
◗وما هي أبرز القضايا التي ناقشتموها في منتدى الدول المصدرة للغاز الذي عقد بالدوحة؟
أعتقد أن المنتدى حقق هدفين مهمين، فللمرة الأولى اعتمدت السكرتارية ما يعرف بإستراتيجية المنتدى طويلة المدى التي من شأنها أن تمهد الطريق للعمل خلال السنوات المقبلة.
وهذا سيساعد سكرتارية المنتدى للتخطيط على المستويين القصير والطويل وهذا استحقاق جيد، بالإضافة إلى أن هذا يسمح للسكرتارية بدراسة الحالات المتوقعة ووضع إستراتيجية للمستقبل وأصبحت تعمل اليوم بطريقة أكثر علمية من السابق.
وبالنظر لجميع هذه الأهداف التي تحققت أعتقد أن منتدى الدول المصدرة للغاز في طريقه لأن يصبح مؤسسة دولية مثلها مثل المنظمات الأخرى كالاأبك.