في زيارة لمقر اللاجئين المؤقت بالدوحة

لوسيل ترصد رحلة لاجئ أفغاني من كابول إلى الدوحة

لوسيل

شوقي مهدي - تصوير: عمرو دياب

منذ سقوط العاصمة الأفغانية في يد طالبان تسارعت الأحداث ورأينا مناظر الفوضى في مطار كابول، الكل يريد أن يحجز مقعدا هو وأسرته ليكون خارج البلاد، بعضهم رعايا أجانب وآخرون أفغان عملوا مع القوات الأجنبية أو موظفون في الحكومة وناشطون سياسيون وحقوقيون يرون أن وجودهم في أفغانستان يشكل خطراً على حياتهم.

الجميع حمل نفسه وأسرته وأسرع نحو المطار بعضهم يملك تأشيرة وبعضهم ليس لديهم أي شيء، كل واحد لديه قصة هي فيلم سينمائي في حد ذاته، لم تظهر منه إلا الصورة الكبرى التي رأيناها على شاشات التلفاز، تدافع الكتل البشرية وتعلقها بالطائرات.

أحد هؤلاء الذين هرعوا إلى مطار كابول بحثاً عن مخرج آمن له ولأسرته، هو محامٍ أفغاني وصل الدوحة بعد أيام من سقوط كابول، استطاع أن يصل إلى المطار ويحجز مقعدا في إحدى الطائرات التي أوصلته الدوحة. لوسيل ذهبت إلى المقر المؤقت لإقامة اللاجئين الأفغان، بالدوحة، للوقوف على أحوالهم.

التقيت بمحدثي والذي بدا شارد الذهن، وارتاب من الظهور في الكاميرا في بداية لقائنا، دار بيننا حديث قصير قبل بداية الحوار مفاده:

هل ستقوم بإخفاء معالم وجهي في الفيديو والصورة؟
◗ أجبته: نعم لا تقلق لدينا فنيون متخصصون سيقومون بذلك.

لا أريد أن تكتب اسمي الحقيقي أيضاً.
◗ لا تقلق يا سيدي سأكتب إفادتك باسم مستعار.

بدت عليه علامات الارتياح، والتحفظ أحياناً، وهو يحاول أن يشرح لي أنه رغم أنه يبعد آلاف الأميال عن وطنه إلا أنه يخشى على أهله وبقية أسرته الممتدة ولا يعلم حتى الآن في أي اتجاه تسير بلاده وأي مصير ينتظرها.
وقال لي: لم أكن أتصور بأنني سأترك كل شيء خلفي، ولكن الأحداث توالت بشكل سريع ووجدتني هكذا هنا في الدوحة وسط أناس غمروني بحفاوتهم وحسن استقبالهم.. آخرون تفرقت بهم السبل في دول أخرى مثل أمريكا وبريطانيا وبقية دول العالم التي أبدت استعدادها لاستقبال من هم أمثالي.

نتابع الحوار التالي الذي أجريته مع اللاجئ الأفغاني والذي فضل عدم الإفصاح عن هويته للأسباب التي ذكرتها أعلاه، وأطلقت عليه أنا اسم (أبوبكر الأفغاني). جلست في صالة المسكن المؤقت الذي تم تخصيصه له ولعائلته بالدوحة ليقص علي الساعات والأيام الأخيرة قبل خروجه هو وأسرته من أفغانستان ضمن حملة إجلاء الرعايا والمواطنين الأفغان.

أولاً، (أبوبكر) كيف وصلت لمطار كابول وسط كل هذا الزحام والخطر؟
◗ أعتقد بأنني كنت محظوظاً بوصولي للمطار، وعندما استمعت للقصص من الأصدقاء الذين تركتهم خلفي، لقد أخبروني بأنهم حاولوا الوصول إلى المطار 3 وأربع مرات ولكن كل محاولاتهم باءت بالفشل.

والآن لدي صديق ذهب إلى المطار في السادسة صباحاً برفقة طفله الذي يبلغ من العمر 3 أشهر فقط والوقت ليلاً ينتظرون في الخارج ولم يستطيعوا الوصول إلى المطار، ولك أن تتخيل بأنه أمضى حوالي 12 ساعة وما زال يعاني في الوصول إلى المطار، إذن الأمر ليس سهلاً.

وما قمت به للوصول إلى المطار حقيقة لم أكن متأكداً ولكن الله ساعدني، وعندما يأذن لك الله لا شيء يستطيع أن يوقفك، وأيضاً استفدت من مهاراتي واتصالاتي وتحدثت لعدد من الناس، وبعض أصدقائي في السفارة القطرية. ووجدت أيضاً مساعدة من بعض الناس وعندها توكلت على الله ودخلنا وسط الزحام.

وسط الزحام

دخلت وسط الزحام المتوجه إلى المطار أنت وأسرتك؟
◗ نعم، دخلنا في الزحام أنا وأسرتي وأيضا معي والديّ وهما كبيران في السن يمشيان على كراسي متحركة، ولك أن تتخيل كيف هي المعاناة، لم تكن سهلة بأي حال من الأحوال، وبفضل الله تمكنت من الوصول إلى المطار خلال ساعتين وهو وقت قياسي مقارنة بما يحدث للآخرين.

هاتان الساعتان تبدوان سهلتين مقارنة بمعاناة الآخرين خاصة عندما حدث إطلاق النار من قبل مسلحي طالبان عندما حاولوا تفرقة الناس ودفعهم الحشود وحثهم على الرجوع، هنا حدثت الفوضى والفزع وسط الناس، ورأيت الفزع والاضطراب لدى أطفالي وقتها، ونظرت إلى أبي وهو كبير في السن عمره في أواخر السبعينيات ورأيت الخوف في عينيه، ونظرت في الجانب الآخر، وإذ أرى شاباً عمره حوالي 16 أو 17 عاماً يحمل سلاحاً ويطلق النار بشكل عشوائي ولا يعرف ما الذي يمكن أن يحدث.

هؤلاء الجنود هم صغار في السن وليس لديهم تدريب احترافي على القتال واستخدام السلاح. لقد كانت لحظة عصيبة ولم تكن سهلة ولكن متيقن بأن الله سيدبر لي مخرجاً أنا وأهلي.

ما هي مهنتك التي كنت تعمل فيها؟
◗ أنا محامٍ

الأمان

سيد أبوبكر هل تشعر بالأمان الآن؟
◗ نعم أنا أشعر بالأمان هنا في قطر والحمد لله ليس هناك تهديد لي ولأطفالي.. ولكنني ما زلت أعاني صدمة ما حدث قبل يومين.. لم أستطع النوم وكلما تمر سيارة بالقرب من المنزل وأسمع صوتها أشعر بالفزع وأقول في نفسي هناك شخص يأتي من خلفي يريدني، ولاحقاً أعرف أنني هنا وأشعر بالأمان. وأنا أشكر الله بأنني خرجت من أفغانستان لأنني أعرف بأن طالبان استولوا على الدولة وبالتأكيد هناك تهديدات تواجه الجميع. ليس من السهل أن تترك بلادك وتترك العمل الذي تحبه ومهنتك وما حققته هناك، ولكن الحمد لله على كل حال، وأتمنى أن تعود الأمور إلى سابق عهدها.

هل كل عائلتك معك هنا؟
◗ نعم الحمد لله، على الأقل أسرتي الممتدة، شقيقاتي وأبنائي الثلاثة وصلنا الدوحة بحمد الله.

عودة لرحلة الوصول للطائرة، هل يمكن أن تصف لنا ما حدث بعد أن وصلت المطار؟
◗ عندما وصلت المطار، عرفت أن الأمر ليس طبيعياً خاصة أنني أسافر كثيراً. وأذكر أنني وصلت المطار وكان كل شيء فوضوياً والوضع كان مختلفا جداً عن كونه رحلة طيران.
طوال فترة انتظاري للطائرة كان علي أن أجيب عن أسئلة أطفالي الذين لم يتوقفوا عن سؤالي. متى ستأتي الطائرة يا أبي؟ متي ستأتي الطائرة يا أبي؟.

أسئلة لا أملك الإجابة عنها في الوقت الذي نسمع فيه أصوات إطلاق النار حولنا ولا نعرف ما الذي يمكن أن يحدث تالياً، البعض يقول لنا إن عناصر طالبان هاجموا المطار من الناحية الأخرى وربما يأتون إلينا، هذا ما أشعرني بالقلق لأنني ووفق ما رأيته في طريقي إلى المطار هؤلاء عناصر غير مدربة ولا محترفة في استخدام السلاح ولا أعرف كيف سيتعاملون مع المدنيين. رأيتهم كيف كانوا يدفعون المدنيين بعيداً. في هذه اللحظات كل الذي كنت أقوله لعائلتي لا تقلقوا ستأتي الطائرة، لن نعود أدراجنا أبداً سنظل هنا حتى تأتي الطائرة حتى لو اضطررنا للمبيت هنا في انتظارها وبالفعل جاءت الطائرة.

مساكن مريحة

سيد أبوبكر كيف كانت الإجراءات عندما وصلت قطر؟
◗ كما ذكرت في البداية نشكر دولة قطر على ما قامت وتقوم به تجاهنا، فبعد وصولنا استضافونا في مساكن مريحة وكانوا كرماء معنا وقمنا بإجراء فحص الكورونا وغيرها من الإجراءات الأخرى، كما تم توفير الطعام لنا بشكل مستمر وكل خدمات الكهرباء والماء والتكييف، حتى أطفالي يحصلون على الألعاب والحلوى، حتى إن هناك بعض العائلات تم إحضار الملابس لها، خاصة أن هناك لاجئين جاؤوا بملابسهم التي يرتدونها فقط.

كيف هى أحوال من تركتهم خلفك؟
◗ هذه هي المشكلة، عادة لا أستطيع الإجابة عن سؤال ما إذا كنت سعيداً الآن؟ هذا ليس سهلاً والحياة لا تدور حولنا فقط وإنما حول عائلاتنا وأصدقائنا ومجتمعاتنا، خاصة بالنسبة لشخص مثلي (رجل أسرة) فالحياة تعني لي أسرتي والأسر الأخرى وعملي وزملائي في العمل وأصدقائي، هؤلاء تركتهم خلفي، أحياناً أشعر بالسوء واليأس تجاههم.

هل توقعت أن تستولي طالبان على العاصمة كابول سريعاً؟
◗ أعتقد لا أحد كان يتوقع أن تستولي طالبان على كابول بهذه السرعة، حتى طالبان أنفسها قالت إنها تفاجأت ولم تكن تتوقع ذلك. لم يكن هناك أحد مستعد لما حصل.

وكيف هو الوضع الآن؟
◗ الوضع الآن تسوده حالة من عدم اليقين وبعد الاستيلاء على العاصمة كابول حيث لا توجد أي حكومة وحتى الآن لا نعرف من هو رئيس الحكومة، وما هو نوع النظام الذي سيتم تطبيقه وما هو شكل الدستور الأفغاني وغيرها من الأسئلة التي تدور في أذهان الناس حالياً ولا يعرفون لها إجابة، وأنا متأكد بأننا قد لا نعرف الإجابة حتى خلال الأسبوعين المقبلين.

وفي ظل وجود هذا الوضع الجديد حيث لا أحد مستعد له، يشير بالرأي الذي يقول بأن طالبان ليست مستعدة لإدارة الدولة، وإذا لم تستطع إدارة الدولة إذن ستكون هناك كارثة.

قطر وعدد من الدول تحث طالبان على تشكيل حكومة تجمع كافة أطياف الشعب الأفغاني؟ هل ستقوم طالبان بتحقيق ذلك؟
◗ يجب أن نشير أيضاً إلى أن المشكلة ليست طالبان وحدها ولكن هناك السياسيين الذين لا يحفظون وعودهم، وإذا ما تشكلت حكومة شاملة بالفعل يعني هذا نهاية الحرب الحالية في أفغانستان، وحتى الآن مضت 10 أيام منذ انطلاق هذا في كابول، وحتى الآن لم يحقق ذلك أي نجاح. وحتى الآن لم يناقشوا القضايا الأساسية، بل هي نقاط صغيرة التي يتم نقاشها.

ولا أعرف ما إذا كانت طالبان ستلبي هذه المطالب لأن ما رأيناه هو أن طالبان تضرب الجميع، بالإضافة لحالة من عدم السيطرة. ورغم ذلك أعتقد أنه من الأفضل لأفغانستان أن تكون هناك حكومة شاملة تسع الجميع.

وكيف ترى مستقبل أفغانستان؟
◗ المستقبل لسوء الحظ لا يبدو جيداً، لأن الخبراء لم يقدموا أي حلول أمنية أو أي ضمانات لأمن أفغانستان، وإحدى المشاكل لدينا هي أن جميع الخبراء والعقول الذين درسوا وتعلموا في الخارج تركوا أفغانستان وما لم يكن لديك خبراء يديرون الدولة لن يكون هناك أمل، لأنه ببساطة لا يمكنك أن تأتي بـ(ملا) ليدير وزارة الصحة العامة أو إدارة النظام البنكي في الدولة وغيرها من الأمثلة الأخرى.

الوضع الاقتصادي ليس جيداً خاصة بعد أن قامت الولايات المتحدة بتجميد 9.5 مليار دولار من الأصول المملوكة للبنك المركزي الأفغاني، وأوقفت الشحنات النقدية إلى الأفغان.

أفغانستان ليست مطار كابول

ما هي الرسالة التي تود قولها للعالم وللناس من خلفك؟
◗ رسالتي الأولى هى لطالبان، أعتقد أنهم عندما يقولون إنها ستكون حكومة مختلفة عما كانت عليه طالبان في التسعينيات، عليهم الوفاء بعهدهم وإعطاء الفرصة للخبراء للمساعدة في إدارة الدولة، ويتمكنون من إبقاء علاقاتهم مع العالم.

ورسالتي للعالم هي أن أفغانستان ليست هي فقط مطار كابول، ولسوء الحظ فإن جميع محطات التلفزة تركز وتنشر أخبار المطار فقط، وهو بالضرورة لا يمثل أفغانستان، وعملية إجلاء الناس لا تحل المشكلة الرئيسية، لأنك لا تستطيع أن تقوم بإجلاء الجميع، هل يستطيعون إجلاء 150 ألفا على سبيل المثال ونحن نتحدث عن دولة بها حوالي 38 مليون نسمة، مما يعني بالضرورة وجود علاقات جيدة مع بقية دول العالم، وعلى الناس أن تحرص ألا يتركنا العالم وحدنا، رأينا ما حدث خلال التسعينيات عندما تركنا العالم وحدنا والنتيجة أضرت أيضاً بالمجتمع الدولي بعد هزيمة الاتحاد السوفييتي من قبل المجاهدين وتحولت أفغانستان لحرب أهلية وكانت حاضنة لحركات مثل القاعدة وغيرها.

وما الذي تريدونه من قطر ودول العالم؟
◗ قطر لعبت دوراً مهماً خلال السنوات الماضية وأيضاً من خلال استضافتها لمحادثات السلام الأفغانية مؤخراً، وعلى هذا النوع من المبادرات أن يستمر، ويستطيع الضغط الدولي أن يؤتي ثماره في أن تكون هناك حكومة شاملة للجميع بأفغانستان.