ضمن برنامج المسافة صفر الذي تبثه شاشة قناة الجزيرة استعرض البرنامج مساء أمس الجزء الأول من الفيلم الاستقصائي سيناء.. حروب التيه ، وقدم صورا وشهادات حصرية لعسكريين مصريين من قلب العمليات في سيناء رغم الطوق الأمني المشدد، والتعتيم الإعلامي الذي يفرضه الجيش المصري على المنطقة منذ الانقلاب العسكري في عام 2013.
وتناول الفيلم في جزئه الأول شبهة تسريب معلومات عن التحركات العسكرية لضباط كبار ممن استهدفهم تنظيم الدولة الإسلامية، وبحث أسباب تأخر الجيش في حسم معركته في سيناء، كما تطرق الفيلم إلى قضية وتشكيل الجيش مجموعات مسلحة من أبناء سيناء للمشاركة في الحرب على تنظيم الدولة، راصدا تطورات الأوضاع الميدانية على مدار عام كامل.
بلغ عدد ضحايا الجيش والشرطة المصرية جراء هجمات تنظيم الدولة الإسلامية في سيناء بين عامي 2014 و2018، حوالي 2000 قتيل من الجنود والضباط وأكثر من 3000 جريح سقطوا خلال نحو 1000 هجوم مسلح، وذلك بحسب متوسط إحصائيات الأرقام المذكورة في بيانات المتحدث العسكري وتنظيم الدولة.
ولم تكن العملية الشاملة في سيناء الحملة العسكرية الأولى على سيناء التي يعلن عنها الجيش المصري، فعلى مدار أكثر من ثمانين شهرا، قام الجيش بحملتين كبيرتين على مراحل زمنية مختلفة، أولاهما عملية نسر التي انطلقت مرحلتها الأولى في أغسطس 2011 بعد استهداف مسلحين بينهم جهاديون من جماعة أنصار بيت المقدس مقار للشرطة وتفجير خطوط الغاز المصدر لإسرائيل، ثم تلتها المرحلة الثانية نسر 2 في أغسطس 2012 بعد الهجوم على موقع عسكري مصري حدودي مع إسرائيل، وقبل انتهاء عملية نسر 2 بايعت جماعة أنصار بيت المقدس تنظيم الدولة في العراق والشام في نوفمبر 2014، وأصبحت فرعا له تحت اسم ولاية سيناء .
ومع اشتداد المواجهات بين الجيش والتنظيم بدأت عملية أخرى للجيش في سبتمبر 2015 أطلق عليها حق الشهيد نفذت على أربع مراحل، انتهت بإعلان الجيش عن إطلاق العملية الشاملة في فبراير 2018.
وتكشف صور الفيلم عن التعزيزات العسكرية الكبيرة التي لم تشهدها منطقة سيناء منذ تطبيق البنود الأمنية لاتفاقية كامب ديفيد الموقعة بين مصر وإسرائيل عام 1979، التي تحظر على مصر أي تواجد عسكري في المنطقة ج المتاخمة للحدود الإسرائيلية وقطاع غزة، بينما تسمح بنود الاتفاقية لمصر بنشر جنود في المنطقتين أ و ب بأعداد ضئيلة.
إلا أن مصر نجحت بعد تفاهمات عديدة مع إسرائيل إبان ثورة يناير في الدفع بقوات من جيشها مع عتاد ثقيل للمنطقة العسكرية ج في إطار العملية نسر 1 .
تمثل شبه جزيرة سيناء مثلثا مقلوبا على الخريطة تأتي أهميته الاستراتيجية والعسكرية من موقعه الجغرافي، إذ يمثل جسرا بريا مساحته 61 ألف كيلو متر مربع يربط بين بحرين وقارتين، يمتد بقاعدته الشمالية على البحر الأبيض المتوسط بطول 200 كيلو متر، ويقع رأسه جنوبا في البحر الأحمر، أما ضلعه الشرقي الواصل بين قارتي آسيا وأفريقيا فيبلغ طوله 455 كيلو مترا أكثر من نصفه على البحر الأحمر، بينما يمتد الحد الغربي 510 كيلو مترات تتوزع على خليج وقناة السويس التي يمر عبرها 8% من التجارة العالمية 3% منها خاصة بإمدادات النفط، الأمر الذي جعل سيناء أكثر المناطق حساسية إقليميا ودوليا.
جددت العملية الشاملة الأسئلة حول أسباب تأخر الجيش المصري في حسم معركته التي دامت 6 سنوات في سيناء، فيرى البعض أنها حققت نجاحات كبيرة على تنظيم الدولة، ولكن آخرين يرون إخفاقات للجيش مكنت التنظيم من توسيع نطاق عمليات أبعد من شرق العريش والشيخ زويد ورفح.
قبل العملية الشاملة بأكثر من عام بدأ فريق الفيلم رصدا شاملا للأحداث، فقال الباحث والصحفي أبو بكر خلاف إن التنظيم كان يتبع نمطا من استهداف كبار قادة الجيش والشرطة، ضاربا المثل بالعميد شرطة ياسر محمد الحديدي مفتش الأمن العام لقطاع سيناء والقناة، مشيرا إلى أنه كان يقوم بزيارة غير معلنة ومع ذلك تم استهدافه عام 2017 بوسط مدينة العريش، ولم يجزم خلاف بوجود ضباط أو جنود يقدمون معلومات استخباراتية لتنظيم الدولة ولكنه أشار إلى أن هناك شواهد كثيرة تدل على فرضية وجود تعاون استخباراتي بين تنظيم الدولة والجيش المصري حيث تم استهداف وزيري الدفاع والداخلية وهما في زيارة سرية للعريش، كما أشار إلى حادثة استهداف العقيد شرطة محمد السواركة وكان بصحبته العميد شرطة عمرو صالح وكانا يستقلان سيارة مدنية.
واستشهد خلاف أيضا بحادثة استهداف المقدم رامي حسنين قائد الكتيبة 103 صاعقة حيث تم استهداف مدرعته، إضافة إلى حوادث أخرى.
وبالحديث عن القوات والمليشيات المسلحة في سيناء أوضح خلاف أن العقيد أحمد المنسي هو المسؤول الأول عن تسليح القبائل والقائد المباشر لها في سيناء.
كمين البرث
وبدأ الفريق الصحفي البحث في حادثة كمين البرث، باعتبارها بابا يكشف قدرة التنظيم على استقاء معلومات دقيقة عن تحركات الجيش والشرطة، إضافة إلى تسليح القبائل والمليشيات المحلية التي تتبع أسلوب حرب العصابات، وتواصل الصحفيون المتخفون مع مصادر من أربع قبائل رئيسية هي السواركة والرميلات والترابين والفواخرية، في محاولة للوصول إلى عناصر قيادية في المجموعات القبلية المدعومة من الجيش أو تلك المنتمية إلى تنظيم الدولة.
أما المسار الثاني فكان محاولة الوصول إلى جنود خدموا في سيناء بدءا من 2015، فنجحوا في التواصل مع مجند سابق في الجيش المصري قال إن الهجوم للسيطرة على مدينة الشيخ زويد بدأ بعد الفجر وهجم الإرهابيون على 20 وحدة ارتكاز للجيش والشرطة، ودخلوا على مدينة الشيخ زويد، الأمر الذي قطع خطوط الإمداد مستخدمين أنواعا مختلفة من الأسلحة.
وأوضح المجند السابق أن الدعم تأخر جدا، لأن كل الخطوط قد جرى تلغيمها، والهجوم أسفر عن مقتل حوالي 200 فرد في هذا اليوم.
حسن أبو هنية الباحث المتخصص في شؤون الجماعات الإرهابية قال إن هناك خلخلا كبيرا في المنظومة الاستخبارية الأمنية المصرية، كما أن هياكل تنظيم الدولة عملت على اختراق الجيش المصري نسبة لوجود عدد من العوامل والمظالم في داخل الجيش ساعدته في ذلك، إضافة إلى عوامل الفساد والجريمة المنظمة المتفشية في سيناء ساعدت تنظيم الدولة في مهمته.
استقطاب ضباط
تمكن التنظيم من استقطاب أربعة ضباط من وحدة العمليات الخاصة التابعة لوزارة الداخلية المصرية، وقال الصحفي خلاف إن تاريخ انضمامهم كان في 29 أبريل 2016، تلته مباشرة عملية نوعية في حلوان راح ضحيتها 8 من أفراد الشرطة بينهم ضباط يستقلون سيارة مدنية، أثارت العديد من التساؤلات خصوصا أن من قام بها منفذان فقط.
وحصل فريق الفيلم على قائمة بالقادة العسكريين المخولين بالحديث لأجهزة الإعلام وحاول التواصل معهم، ولكنهم رفضوا الحديث عدا اللواء حسين عبد الرزاق من سلاح المشاة، الذي قال إن الضباط الذين يلتحقون بتنظيم الدولة يعود ذلك إلى خلفيتهم وتهرب من الإجابة عن باقي الأسئلة.
تمكن الفريق الميداني من الحصول على موافقة ضابط جيش على الحديث بشرط إخفاء هويته، لأنه لا يزال بالخدمة، وأرجع انضمام بعض الضباط إلى تنظيم الدولة إلى أسباب شخصية وكيدية وانتقامية في الغالب، وضرب مثلا بالمقدم أحمد شعبان الذي استهدفته الجماعات أثناء ذهابه للشيخ زويد، وهي مشكلة شخصية بينه وأحد زملائه فأراد أن يتخلص منه وتم قتله في كمين.
أحد قادة الجيش الذي رافق العميد أحمد المنسي قال إن الهجوم على كمين البرث حدث عند الساعة الثالثة صباحا تقريبا، مؤكدا أن غرفة عمليات الجيش تجاهلت استغاثات العميد أحمد المنسي الذي هوجم مع كتيبته ولم يأتِ الدعم إلا الساعة الحادية عشرة بعد انتهاء كل شيء.
وأضاف أن العقيد المنسي كان يعتبر القوات مشروعه وفكرته، وكان محبوبا من شيوخ القبائل والأهالي الأمر الذي ساعده في تكوين هذه القوات، التي تعتبر بمثابة مرشدين محليين لهم معرفة بدروب سيناء وأهلها.
تجارة الدخان
أبو سالم القيادي في قبيلة الترابين قال إن بداية تكوين هذه القوات أو المجموعات القبلية المسلحة جاء لحماية تجارة الدخان أثناء تصديره إلى غزة، وأن هذا الأمر أدى إلى قيام تنظيم الدولة بحرق سوق الدخان وقتل شباب من قبيلة الترابين وتنظيم الدولة، وأضاف أن أحمد المنسي كان يأتينا بصحبة الضباط والجنود ويزودوننا بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة وسيارات الدفع الرباعي.
الصحفي خلاف قال إن إبراهيم العرجاني يعتبر من أبرز قاد المليشيات المسلحة، ويعتبر الواجهة المدنية لاستثمارات الجيش في سيناء وتربطه صلات قوية بالمخابرات وعلى علاقة وثيقة بنجل الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي يعمل في المخابرات العامة، وهذا ما أهله لعمل صفقات كبيرة لإدخال الدخان إلى غزة، وتعرض لمحاولة اغتيال في 2016.
من جهته كشف أحد أعضاء التنظيم السابقين عن الدور الكبير الذي كانت تقوم به الخلايا الأمنية للتنظيم في الحصول على المعلومات المنية والاستخباراتية عن تحركات الجيش والشرطة عبر مفرزة مجد و مفرزة سهم 55 باعتبارها أجهزة الرصد والتتبع التي تمد التنظيم بالمعلومات.