تدشن دول القارة الأفريقية اليوم مرحلة جديدة في تعاونها التجاري وتكاملها الاقتصادي وسعيها للتخلص من الفقر الذي ورثته في العقود الماضية، حيث ستدخل اتفاقية إنشاء منطقة التجارة الحرة بين دول القارة حيز التنفيذ اعتباراً من الثلاثين من الشهر الجاري وفق ما تم الاتفاق عليه بين القادة والزعماء الأفارقة في قمتهم الاستثنائية في كيغالي عاصمة رواندا في مارس من العام الماضي.
ومن المقرر عقد قمة استثنائية جديدة لرؤساء الدول والحكومات الأفريقية في 7 يوليو لإطلاق المرحلة التشغيلية لمنطقة التجارة الحرة التي ينتظر أن تغير حياة الأفارقة في عموم القارة من شمالها حتى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها، خاصة وأنها ستكون أكبر منطقة للتجارة الحرة في العالم منذ تأسيس منظمة التجارة العالمية عام 1995، حيث تبلغ مساحتها 17.3 مليون كيلو متر مربع، أي ما يعادل ضعف مساحة الصين أو الولايات المتحدة. تقريباً، ويزيد عدد مواطنيها على 1.2 مليار شخص، ويتجاوز ناتجها الإجمالي 3.4 تريليون دولار سنوياً، وهو ما يعني آلاف الفرص الاستثمارية وملايين الوظائف وفتح الأبواب على أوسع نطاق أمام زيادة وتسريع الاستثمارات ومعدلات تنمية التجارة في القارة.
وكان التشاور والتفاوض حول هذه المنطقة التجارية الهائلة قد بدأ منذ العام 2012م، عندما قرَّر الاتحاد الأفريقي لأول مرة وضع خطة على مستوى القارة بهدف إنشاء سوق موحَّدة للسلع والخدمات، والسماح بحرية حركة الأعمال والاستثمارات، وتوسيع التجارة البينية وإنشاء اتحاد جمركي لتنظيم التعريفات، ومن المتوقع والمأمول أن يؤدي اتفاق منطقة التجارة الحرة القارية - باعتباره واحدا من برامج رؤية أفريقيا لعام 2063 - إلى مضاعفة التجارة البينية الأفريقية وتحقيق منافع هائلة للقارة.
ويشمل اتفاق منطقة التجارة الحرة القارية، التجارة في الخدمات، والتي تسهم بالفعل بأكثر من 50% من إجمالي الناتج المحلي للبلدان الأفريقية. وتلزم الاتفاقية حكومات الدول الأعضاء بإلغاء الرسوم الجمركية على 90% من السلع المنتجة داخل القارة والتخلص التدريجي من بقية الرسوم في المستقبل.
وتوفر اتفاقية التجارة الحرة العديد من الفرص للتنمية المستدامة والنمو في الاقتصادات الأفريقية، كما تشكل حافزاً للاستثمار في البنية التحتية هناك والتي تشير التقديرات إلى أنها بحاجة إلى استثمار ما يقرب من 100 مليار دولار سنوياً خلال العقد القادم.
وكجزءٍ من الأهداف الرئيسية لهذه الاتفاقية، يسعى الاتحاد الأفريقي إلى مضاعفة التجارة البينية بين أعضائه بحلول عام 2022 وإذا ما تم تبنّي الاتفاقية بالكامل فإن التجارة البينية الأفريقية سترتفع بنسبة 52 بحلول عام 2022 مقارنة مع المستويات التجارية لعام 2010، وهو ما يمثل نموًّا كبيراً، وخصوصاً أن التجارة بين البلدان الأفريقية لم تشكل سوى 16 من إجمالي التجارة في القارة عام 2014م.
ويرجح المحللون الأفارقة أن يواجه تطبيق منطقة التجارة الحرة العديد من الصعوبات والتحديات بشكل أكبر مما كان عليه الأمر في أوروبا، حيث استغرق الاتحاد الأوروبي أكثر من 50 سنة لتنفيذ مثل هذه الاتفاقية بعد الحرب العالمية الثانية، وهو اتحادٌ مكوّن من 28 عضوًا. فقط، غير أن هناك من الاقتصاديين الأفارقة مَن يرون أن الأمر سيحتاج من أفريقيا سنوات - وليس عقوداً للتنفيذ ذلك لأن هناك بالفعل بعض التكامل القائم في القارة مثل مجموعة شرق أفريقيا، والاتحاد الجمركي لأفريقيا الجنوبية. يضاف إلى هذا أن لغة الأرقام بشأن فوائد الاتفاقية في المدى البعيد كفيلة بتجاوز أي عقبات، وكذلك وجود تحسينات واسعة في البنية التحتية في الدول الأفريقية شملت الموانئ التي ترتبط ببعضها البعض، وشبكة خطوط السكك الحديدية والطرق التي تم تدشينها أو هي قيد الإنشاء أو الدراسة في الوقت الحالي.
وتشتهر أفريقيا بغناها الهائل جداً بالموارد الطبيعية، وقد حققت بعض دولها نجاحات كبيرة خلال السنوات القليلة الماضية، وباتت من أسرع الاقتصاديات نمواً في العالم، لدرجة أن البعض أطلق على عدد من دولها مثل رواندا وكينيا وموريشيوس صفة النمور الأفريقية على غرار النمور الآسيوية. ومن المتوقع أن يصل إجمالي الناتج المحلي الإجمالي لأفريقيا إلى 29 تريليون دولار بحلول عام 2050، وهو ما يعادل إجمالي الناتج المحلي الإجمالي الحالي للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ما يساهم بشكل كبير في نشر الرخاء والحد من الفقر في القارة السمراء.