تأثير التغيرات المناخية على الأمن الغذائي..

خبراء: 3 جهات حكومية قطرية تتعاون مع ناسا لوضع إستراتيجية لمواجهة تأثير التغيرات المناخية

لوسيل

صلاح بديوي

كشفت 3 جهات حكومية وعلمية هي وزارة البيئة والتغيّر المناخي ووزارة البلدية وجامعة حمد بن خليفة، عن تعاون علمي وبحثي فيما بينها يستهدف التخطيط لوضع استراتيجية عامة لمواجهة تأثير التغيّرات المناخية على السواحل والشواطئ القطرية، وتتضمن الإستراتيجية خريطة علمية وفنية لحماية تلك الشواطئ عبر التصدي لعوامل التعرية والتآكل، والاستفادة من التجارب العالمية في هذا المجال، على ضوء الاتفاقية الفنية والجيولوجية التي أبرمتها جامعة حمد مع وكالة ناسا الأمريكية لعلوم الفضاء، جاء ذلك في ندوة علمية فنية حول الاتفاقية نظمتها الجهات الثلاث وقدمها أ.د.عصام حجي ممثل وكالة ناسا. وحضر الندوة سعادة الشيخ الدكتور فالح بن ناصر بن أحمد آل ثاني وزير البيئة والتغيّر المناخي، وعدد من وكلاء الوزراء المساعدين ورئيس هيئة أشغال ومسؤولون بالجامعة.

قمر صناعي علمي قطري

وتهدف هذه الاتفاقية إلى صياغة مشروع إنشاء قمر صناعي علمي سيقوم برسم خرائط للمياه الجوفية، ودراسة ذوبان الجليد في القطبين الشمالي والجنوبي للأرض، وهدف المشروع تحديدًا لاستخدام تكنولوجيا التصوير الراداري لرسم التغيرات في طبقات الجليد في القطب الشمالي والجنوبي وتأثيرها على زيادة مستوى البحار في العقود القادمة، كما يقوم القمر الصناعي بتحديث خرائط المياه الجوفية في صحراء شمال أفريقيا وشبه الجزيرة العربية ورصد تفاعلها مع المتغيرات المناخية والبيئية.

وبحسب الاتفاقات الدولية المعلن عنها رسميًا على موقع ناسا، يعد هذا الاتفاق -الذي يحمل الرقم 668- أول اتفاق مشترك بين ناسا وبلد عربي بشأن تصميم مركبة فضاء خاصة بهذه الدراسات المناخية. ويشارك في هذه الدراسة معمل الدفع النفاث بوكالة ناسا، بالتعاون مع الباحثين في جامعة حمد بن خليفة عضو مؤسسة قطر، تحت إشراف د. عصام حجي رئيس المشروع.

ووفق خبراء ناسا إن هذه أول مهمة مخصصة بالكامل لدراسة المناطق الصحراوية والجافة والتي لا يعرف بشكل كامل مدى تفاعلها مع التغيرات المناخية بالعقود القليلة القادمة التي تعصف بمناطق عديدة شمال أفريقيا وشبه الجزيرة العربية.

تآكل نصف شواطئ العالم

وفي ذات السياق تشير دراسة جديدة صادرة عن مركز البحوث المشتركة للمفوضية الأوروبية إلى أنه: من دون التخفيف من آثار تغيُّر المناخ والتكيُّف معها، فإن قرابة نصف شواطئ العالم ستكون عرضةً للتآكل بحلول نهاية القرن الحالي؛ بسبب عمليات التعرية الساحلية. وسيؤدي تآكل الشواطئ الرملية إلى تعريض الحياة البرية للخطر، وقد يتسبب في خسائر فادحة في المدن الساحلية التي لم تعد لديها مناطق عازلة لحمايتها من ارتفاع منسوب مياه البحر والعواصف الشديدة، بالإضافة إلى ذلك سيزيد من كلفة التدابير التي تتخذها الحكومات للتخفيف من آثار تغيُّر المناخ .

وأظهرت نتائج دراسة حديثة نُشرت في دورية نيتشر كلايمت تشينج في 2 مارس الحالي، أن عمليات النحت والتآكل هذه ستدمر 36097 كم (13.6٪) من السواحل الرملية حول العالم خلال 30 عامًا، كما يُتوقع أن يزداد الوضع سوءًا في النصف الثاني من القرن الحالي، ما قد يتسبب في تآكل 95061 كم بما يعادل (25.7٪) من شواطئ العالم. يؤكد ميخائيليس فوسدوكاس -الباحث في مركز الأبحاث التابع للمفوضية الأوروبية، والمؤلف الرئيسي في الدراسة- أن التغيرات المناخية ستفاقم من تأثيرات عمليات التعرية الشاطئية، ما يهدد مناطق كثيفة السكان، مشددًا على أن ما يُكسِب نتائج الدراسة الحالية أهمية خاصة هو اعتمادها على سيناريوهات موضوعية لنمذجة تأثيرات انبعاثات غازات الدفيئة.

وفيما يتعلق بتأثير هذه المخاطر المحتملة على الشواطئ الرملية في مصر والدول العربية، يقول فوسدوكاس : في أفضل السيناريوهات، ستفقد مصر بين 35.1 و50.5٪ من شواطئها الرملية بسبب التعرية، وهو ما يعني تآكل حوالي 1000 كم من الشواطئ الرملية المصرية، ويُحتمل أن ترتفع النسبة إلى أعلى من ذلك في دول مثل السعودية وليبيا . وتبلغ شواطئ مصر ما يقارب 3300 كيلومتر، منها 1500 كيلومتر على البحر الأحمر، و1800 كيلومتر في البحر المتوسط .

ويقول فوسدوكاس أحد معديها: إن الدراسة تقدم توقعات هي الأولى من نوعها فيما يخص تآكل الشواطئ الرملية، مع الأخذ في الاعتبار التدخلات البشرية، بالإضافة إلى تأثيرات تغيُّر المناخ والعوامل الطبيعية. ويوضح أنه لا تزال هناك بارقة أمل ؛ إذ يمكن لتقليل انبعاثات غازات الدفيئة أن يمنع 40٪ من تراجُع خط الشاطئ، لكن هذا يتطلب التزامًا دوليًّا باتفاقية باريس للمناخ والبروتوكولات ذات الصلة، كما يستلزم اتخاذ بعض إجراءات الحماية الساحلية لحماية المناطق المأهولة بالسكان. وتقوم هيئة حماية الشواطئ المصرية بالعديد من المشروعات في هذا الإطار، كمشروع حماية بركة غليون الذى يستهدف حماية الطريق الدولي الساحلي والمناطق السكنية المحيطة بها بمحافظة كفر الشيخ من الغرق، بالإضافة إلي أنه جرى تنفيذ أعمال حماية المناطق الحرجة فى ثلاث محافظات، هي: الإسكندرية، وبورسعيد، وكفر الشيخ.

دعم خطط الأمن الغذائي

وبناء على ما سبق، تستعين دولة قطر بوكالة ناسا لدراسة تأثير تلك التغيرات المناخية على خزانها الجوفي والشواطئ التابعة لها، و ويشارك في هذه الدراسة معمل الدفع النفاث بوكالة ناسا، بالتعاون مع الباحثين في جامعة حمد بن خليفة عضو مؤسسة قطر، تحت إشراف د. عصام حجي رئيس المشروع.، وذلك بهدف تعميق الفهم في مجال طبقات المياه الجوفية بما يدعم الأهداف الوطنية لتحقيق الأمن الغذائي والأمن المائي في دولة قطر، ومعرفة تأثير ارتفاع منسوب المياه نتيجة لذوبان القمم الجليدية القطبية على الشواطئ والسواحل والمدن في قطر، كما بيّن البروفيسور عصام حجي مخرجات هذه الاتفاقية بما يتقاطع مع اختصاصات الوزارتين المتعلقة بالتغيّرات المناخية والدراسات الجيولوجية وتأثيراتها على البيئة والأمن الغذائي والبنية التحتية وغيرها، وذلك بحضور ومشاركة مسؤولين وخبراء واستشاريين من الوزارتين.

تآكل الشواطئ

وفي أحدث تقارير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) الصادر في عام 2019، حدد الخبراء مسار تركيز الغازات الدفيئة، متوقعين أنه بحلول عام 2100 سيرتفع متوسط مستوى سطح البحر العالمي بين 61 سنتيمترًا إلى متر في أسوأ السيناريوهات في حالة عدم التزام دول العالم ببنود اتفاقية باريس للمناخ بناءً على مسارات التركيز التمثيلية لغازات الاحتباس الحراري، وتفترض الدراسة عدد (2) سيناريو لذوبان المسطحات الجليدية: وفقًا للسيناريو الأول، إذا انبعاث الكربون في العالم بالمعدل الحالي، فسيرتفع مستوى سطح البحر بحوالي 80 سم، وهو ما يعني تراجُع خط الساحل بمقدار 128.1 متراً، مما يهدد بغرق 131 ألفاً و745 كيلومتراً من الشواطئ. ووفقًا لأكثر السيناريوهات تفاؤلاً، إنه في حالة التزام الحكومات بالاتفاقات الدولية والبروتوكولات الخاصة بخفض الانبعاثات وتقليل الاعتماد على الكربون، فإن مستوى سطح البحر لن يرتفع إلا بمقدار 50 سم بحلول عام 2100، وسيكون متوسط ​تراجُع خط الساحل 86.4 متراً. ووفق نتائج الدراسة فإن ما يصل إلى 63٪ من المناطق الساحلية المنخفضة في العالم ستكون مهددةً بالغمر بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر والعواصف الشديدة.

وتكشف نتائج الدراسة أيضا أن 13.6 15.2٪ من الشواطئ الرملية في العالم يمكن أن تواجه تآكلًا شديدًا بحلول عام 2050، وهو رقم قد يرتفع إلى 35.7- 49.5٪ بحلول نهاية القرن. وتقع 31٪ من الشواطئ الرملية في العالم في مناطق ساحلية منخفضة الارتفاع بكثافة سكانية تزيد على 500 شخص لكل كيلومتر مربع، وتُظهر توقعات الباحثين أن حوالي ثلث هذه المناطق الساحلية ذات الارتفاع المنخفض ستكون مهددةً بشكل خطير بسبب التآكل بحلول عام 2050. يصل هذا التقدير إلى 52٪ و63٪ بحلول نهاية القرن، تحت مُعامل للتركيزات التمثيلية يقدر بـ4.5 و8.5، على التوالي.