مع ارتفاع أسعار النفط لأعلى مستوياته منذ سنوات (85 دولارا للبرميل) وتفجر أزمة الطاقة العالمية بسبب ارتفاع الطلب وعودة النشاط الاقتصاد العالمي، من المتوقع أن يشهد الاقتصاد الخليجي والقطري على وجه الخصوص انتعاشاً ملحوظاً خلال الفترة المقبلة بعد أن تجاوز برميل النفط السعر التعادلي لدى موازنة دولة قطر وعدد من الدول الخليجية. في الوقت الذي تواجه فيه الدول المستوردة للنفط تحديات بسبب تضخم الأسعار ونمو الطلب.
إذن ما الذي يعنيه ارتفاع سعر النفط بالنسبة للاقتصاد القطري والخليجي؟، وإلى أي مدى يساهم ذلك في تنفيذ سياسات التنويع الاقتصادي، ووضع خطط استراتيجية طويلة المدى؟ هذه الأسئلة وغيرها سنحاول الإجابة عليها بناء على معلومات وتقارير من مؤسسات دولية.
قالت تقارير اقتصادية إن عدداً من دول الخليج من بينها قطر ستحقق فوائد أعلى وفوائض في موازناتها مستفيدة من ارتفاع أسعار النفط عالمياً والتي وصلت لمستويات قياسية خلال الفترة الماضية، مع توقعات بعض المؤسسات الدولية بأن تتجاوز الأسعار مستويات 90 دولاراً خلال الفترة المقبلة.
وقالت وكالة بلومبيرغ إنه ورغم وصول سعر النفط لمستويات 85 دولارا للبترول الا انه من غير المتوقع ان يصل النفط لمستويات 2003 و 2014. وتواجه العديد من الدول الخليجية عجزاً في موازناتها مع اتساع الفجوة بين الإيرادات والنفقات منذ أكثر من 6 سنوات.
ومع ضغوط جائحة كورونا ترتفع الأصوات المنادية بزيادة وتيرة تنفيذ خطط التنويع الاقتصادي لتحقيق الأهداف التنموية لهذه الدول.
وقالت وكالة بلومبيرغ إن دولا مثل قطر ستحقق فوائد أعلى من ارتفاع أسعار النفط وذلك لأن السعر العادل في موازنة قطر لا يتجاوز 44 دولاراً للبرميل.
ويعتبر السعر العادل للنفط بموازنة قطر هو الأقل خليجياً عند مستويات 43.1 دولارا، تليها الإمارات بحوالي 64.6 دولارا والكويت 69.3 دولارا وسلطة عمان 72.4 دولارا والمملكة العربية السعودية 76.2 دولارا واخيراً البحرين عند مستويات 88.2 دولارا للبرميل، مما يجعل قطر في وضع أفضل من حيث الموازنة.
وقطر التي اوشكت على الانتهاء من مشاريع البنية التحتية المتعلقة بكأس العالم 2022، أصبحت الآن في وضع أفضل خاصة أن هذه المشاريع وصلت مستويات الانفاق عليها بحوالي 500 مليون دولار أسبوعياً، والآن قطر في طريقها لأن تجني ثمار هذه المشاريع، ومع تعافي الاقتصاد وانتشار وتيرة اللقاحات كلها عوامل مجتمعة ترفع سقف التوقعات للاقتصاد المحلي خلال الفترة المقبلة.
ولعل التعديل الوزاري الأخير الذي أصدره حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، في الحكومة وزيادة عدد الوزارات باستحداث وزارات جديدة وفصل وزارات عن بعضها البعض يعطي إشارة واضحة لما تريد قطر أن تكون عليه في الفترة المقبلة، اقتصاد قائم على التنويع في قطاعات التكنولوجيا والتحول الرقمي وبالتركيز على قطاعات مثل الخدمات والانتاج، بالتالي الدولة تسير بخطى حثيثة نحو تنفيذ رؤيتها الوطنية وخطط التنويع الاقتصادي.
وبالفعل ومنذ نهاية الربع الأول من العام الجاري تحولت الموازنة العامة لدولة قطر من العجز إلى الفائض بنحو 4 مليارات ريال في النصف الأول بنهاية يونيو، بعد أن حققت الموازنة العامة خلال الربع الأول فائضاً بنحو 200 مليون ريال.
بالمقابل شكلت الايرادات غير النفطية دعماً قوياً للارتفاع ونموا ملحوظا خلال الربع الثاني بحوالي 48.5%من اجمالي الايرادات العامة خلال الربع الأول.
ووفقاً لبيانات مؤشري مديري المشتريات في قطر فإن القطاع الخاص غير النفطي سجل نمواً خلال يوليو الماضي بوتيرة أفضل خلال 4 أشهر.
وأوضح تقرير مؤسسة آي إتش إس ماركت العالمية للأبحاث، أن قراءة المؤشر الذي يقيس أداء القطاع الخاص غير النفطي، ارتفعت في يوليو للشهر الثاني إلى النقطة 55.9، من 54.6 نقطة في يونيو السابق.
ولفت التقرير إلى ازدهار الأعمال التجارية لشركات القطاع الخاص القطري غير المرتبط بالطاقة، في بداية النصف الثاني من 2021.
خليجياً وخلال السنوات الماضية لجأت الدول الخليجية لسد العجز من خلال الاستدانة حيث ارتفعت معدلات الاقتراض بوتيرة أعلى خلال جائحة كورونا، وارتفعت السندات الخليجية بنسبة 35٪ مقارنة بعام 2019.
وتمتلك الدول العربية حوالي 56.5٪ من الاحتياطيات المؤكدة من النفط على مستوى العالم، كما تمتلك حوالي 26.7٪ من احتياطات العالم من الغاز الطبيعي.
أما على صعيد الإنتاج، فتقدم الدول العربية النفطية 28.4% من حجم الإنتاج العالمي من النفط، كما تقدم نحو 14.9% من إنتاج الغاز العالمي.
وبالمقابل فإن الدول المستوردة للنفط مثل مصر والأردن ولبنان والمغرب والسودان وتونس سيرتفع العجز المجمع في المعاملات الجارية إلى 35 مليار دولار هذا العام وفقاً لمعهد التمويل الدولي، بينما ترتفع الأصول الأجنبية لدول الخليج إلي أكثر من 3 تريليونات دولار بنهاية 2022 بما يعادل 170% من الناتج المحلي الإجمالي.
وقدر البنك الدولي في تقرير حديث التكلفة التراكمية المقدرة لجائحة كورونا على اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ستبلغ 200 مليار دولار بنهاية 2021.
أوضح استطلاع، نشرته رويترز، لآراء خبراء اقتصاديين أن اقتصادات الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي ستنمو في العام المقبل بوتيرة أسرع من التقديرات السابقة.
وحذر الخبراء من أن انخفاض أسعار النفط والغاز سيمثل أكبر خطر على التوقعات الاقتصادية لهذه الدول.
ويشير الاستطلاع إلى أن المنطقة الغنية بالنفط ستستفيد من ارتفاع معدلات التطعيم بلقاحات كورونا، ومن صعود أسعار النفط، وتخفيف قيود الإغلاق هذا العام والعام المقبل.
وهذه العوامل قد تدعم التوقعات الاقتصادية في الأجل القريب، إلا أنها عرضة للتأثر بسبب اعتماد المنطقة على عوائد صادرات النفط، وسط تباطؤ اقتصادي في الصين، أكبر مستورد للنفط الخام في العالم.
وحسب الاستطلاع سينمو اقتصاد كل من الكويت وقطر وسلطنة عمان والبحرين بما يتجاوز ثلاثة في المئة العام المقبل.
يرى خبراء أن الدول الخليجية أمامها الآن الفرصة بالاستفادة من أسعار النفط العالمية للتخلص من الديون الخارجية والمحلية قصيرة ومتوسطة الآجل، بما يمهد الطريق لصناع السياسات لوضع خطط استراتيجية مهمة في سبيل تطبيق سياسة التنويع الاقتصادي.
أيضاً يعد ارتفاع الاسعار فرصة لتراكم الارصدة النقدية لهذه الدول ودعم أصول الصناديق السيادية بعيداً عن المضاربات في أسواق المال أو العقارات أو الانشطة السياحية. فلا بد أن يكون للدول النفطية العربية استثمارات حقيقية في مجال التكنولوجيا، وفي المجالات التي يمكنها أن تحقق قيمة مضافة للاقتصاد وتساهم في خطط التنويع الاقتصادي من ناحية وتقلل من الاعتماد على الاقتصادات الاخرى وتتحول نحو الانتاج بشكل تدريجي لتستفيد من موقعها وسط العالم.
ويمكن لدول الخليج بما فيها قطر الاستفادة من الارتفاع القياسي لأسعار للنفط، وتعجيل خططها الاستراتيجية المتعلقة بالتحول نحو اقتصاد المعرفة بعيداً عن عائدات الهيدروكربون، وتبدأ خطوات فعلية نحو التعافي الاقتصادي والتحول تدريجياً من الاقتصادات الريعية لاقتصادات قائمة على الانتاج والخدمات وغيرها من القطاعات الاخرى مستفيدة من القفزات الكبيرة لأسعار النفط.
قبل أيام من الاجتماع الشهري لتحالف (أوبك+) بداية نوفمبر المقبل والذي يسبقه اجتماع اللجنة الفنية للتحالف لوضع توصياتها وقراءتها الشهرية للسوق قبل الاجتماع لاتخاذ القرار النهائي، يواصل كبار المستهلكين ممارسة المزيد من الضغوط على التحالف لرفع الانتاج.
وتمارس الولايات المتحدة المزيد من الضغوط على التحالف من ضخ النفط، وصرح الرئيس الامريكي جو باين قبل يومين بأنه أسعار النفط المرتفعة بسبب احتجاز المنتجين في أوبك ومن خارجها للنفط.
وأشارت الهند، ثالث أكبر مستورد ومستهلك للنفط في العالم، إلى أن ارتفاع أسعار الخام من شأنه تسريع التحول إلى مصادر الطاقة البديلة.
وارتفعت أسعار النفط عند تسوية تعاملات الجمعة، ليسجل خام برنت سابع مكاسبه الأسبوعية على التوالي بدعم استمرار التفاؤل حيال نمو الطلب على الخام وسط ضعف المعروض.
ووفقاً لاحصاءات بلومبيرغ وصلت ارتفعت نسبة الشحنات في المنطقة لحوالي 28٪، ويري مراقبون بأنه من الجيد للناقلات العملاقة في منطقة الخليج أن يزيد تحالف أوبك+ من الانتاج أكثر مما تم الاتفاق عليه، في الوقت الذي يواجه فيه بعض أعضاء التحالف تحديات لرفع انتاجهم.
وبالتالي فإن تأثير زيادة الانتاج من أوبك+ محدود حتى الآن بسبب عدم قدرة التحالف على مواكبة أهداف الانتاج الجديدة. ومع ذلك يتوقع أن تقوم الولايات المتحدة بسحب المزيد من الناقلات بسبب ارتفاع صادرات النفط الخام الامريكية، مما يخلق نقصا في توفر السفن في منطقة الشرق الأوسط.
إلى ذلك قال الرئيس الامريكي جو باين الخميس الماضي إنه ينبغي على الأمريكيين أن يتوقعوا استمرار ارتفاع أسعار البنزين في العام المقبل بسبب سياسات أوبك وغيرها من منتجي النفط من خارجها. وأضاف بايدن: لا أرى شيئاً سيحدث من شأنه أن يدفع بأسعار الغاز نحو الانخفاض .
وقال: هذا بسبب الإمدادات التي تحتجزها أوبك وهناك الكثير من المفاوضات هناك الكثير من القادة في الشرق الأوسط يريدون التحدث معي، ولست متأكداً من أنني سأتحدث إليهم .
وبالمقابل ووفقاً للبيانات التي رصدتها لوسيل فإن المنتجين الأمريكيين لا يظهرون استجابة لأسعار النفط العالية، بالنظر لعدد منصات الحفر الأسبوعية.
وحسب البيانات الصادرة عن شركة بيكر هيوز (تقرير الجمعة الماضية) والذي أظهر تراجع منصات الحفر المنتشرة بالبلاد بحوالي منصتي مقارنة بالأسبوع السابق لتصل إلى 443 منصة. وقد تتراجع مستويات التخزين في مركز كوشينغ للنفط في أوكلاهوما لمستويات منخفضة حتى مع تواصل ارتفاع أسعار خام غرب تكساس الوسيط (نايمكس) واختباره لمستويات 85 دولاراً للبرميل لأول مرة منذ سبع سنوات.
وتراجعت مخزونات النفط الأمريكي ليكون الهبوط الأول في 4 أسابيع وسط إشارات وجود انخفاض ملحوظ في انتاج النفط الخام أصبح قريبا من مستويات 2018.
بعض المعلومات الأولية التي تشير إلى زيادة معدل الامتثال لدى أوبك+ بمستويات الإنتاج إلى 116% يعكس هذا الامتثال الكبير عدم قدرة بعض الأعضاء على رفع الإنتاج الى الاحجام المتفق عليها. مما يخلق فجوة في العرض ويضغط على كبار المنتجين لضخ المزيد من النفط. اذا ما قارنا ذلك بمعدل الامتثال في يوليو السابق حوالي 110%.
بصورة أوضح البيانات وحتى قبل يومين تشير إلى عجز أوبك+ عن ضخ المستهدف من الإنتاج، حيث تشير الأرقام الى أن معدل الامتثال لحصص الإنتاج وصلت الى 116٪ وتعكس زيادة معدل الامتثال الكبير لاتفاق سقف الإنتاج خلق فجوة في العرض وضغط على كبار المنتجين بضخ المزيد
اذن لماذا حدث ذلك؟، السبب الرئيسي هو افتقار عدد من دول أوبك+ الى الاستثمار والاستكشاف وغيرها من الأعباء المالية المترتبة على جائحة كورونا.