دفعت الانتخابات الفرنسية بقضية المال وتأثيره في السياسية إلى السطح بصورة قوية، خاصة بعد انتقاد مرشح الحزب الاشتراكي للانتخابات الرئاسية الفرنسية بونوا هامون خلال تجمع مع مؤيديه، المنحنى الذي تأخذه الحملات الانتخابية للرئاسة، واصفا إياها بـ الملوثة بالمال ، مشيرًا إلى الفضائح المالية التي تعصف بمرشح اليمين فرانسوا فيون ومرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان، وكذلك مرشح حركة إلى الأمام وزير الاقتصاد السابق إيمانويل ماكرون.
وقال هامون: هذه الحملة ملوثة بالمال.. المال الذي يخص فضائح بعض المرشحين، وكذلك المال الذي يتمحور حوله برنامج البعض الآخر .
لم يتوقف الأمر عند مرشحي اليسار الفرنسي، بل تعداه إلى زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان التي زارت موسكو مؤخرًا، لتخرج إلى السطح محاولات تمويل حملاتها الانتخابية بواسطة بنوك روسية، وذهبت الاحتمالات إلى تمويل الكرملين لحملتها.
ولطالما لعب المال الدور الرئيسي في الانتخابات، سواء تلك التي في بلدان راسخة في النظام الديمقراطي أم في دول العالم الثالث، حيث تتحكم الدول والأحزاب الحاكمة وتسيطر على قنوات المال وأصوله وتخضعه لصالحها في العملية السياسية والانتخابات التي تجريها من فترة إلى أخرى.
وإذا كان في البلدان الديمقراطية الكبرى يمكن الكشف بسهولة عن مصادر أموال المرشحين، سواء للرئاسة أو المجالس النيابية، بل يكون ذلك من ضروريات الشفافية الانتخابية، فإنه في بلدان العلم الثالث من الصعوبة بمكان الكشف عن حجم الأموال التي يتم ضخها في العملية الانتخابية، بل وتأخذ منحى واضحًا في استغلال مقدرات الدولة لصالح أحزاب بعينها، هذا غير دور رجال الأعمال الذين يحاولون حماية مصالحهم بتقديم الدعم للسلطة الحاكمة ومنسوبيها لضمان بقائهم، وهم بالتأكيد يشكلون جزءًا من العملية السياسية.
70 مليون دولار قدمتها 5 شركات لدعم كلينتون
من أكبر الداعمين لحملة كلينتون التي منيت بخسارة غير متوقعة لأن شركات الاستطلاع كانت تشير إلى تقدمها على ترامب، من أوساط المال والتكنولوجيا والحقوقيين.
وتشير بيانات مركز السياسة المستجيبة إلى أن كبرى الشركات التي قدمت الدعم لحملة كلينتون هي: بالوما بارتنرز (Paloma Partners)، و رينايسانس تكنولوجي (Renaissance Technologies)، ومجموعة شركات برايتزكر (Pritzker Group)، و سوروس فاند منجمنت (Soros Fund Management)، ومجموعة سابان كابيتال (Saban Capital Group).
الشركات الخمس التي تعود ملكيتها إلى يهود أمريكيين، قدمت لكلينتون حوالي 70 مليون دولار، فيما حلت شركة نيوزويب الإعلامية (Newsweb Corporation) التي تتخذ من شيكاغو مركزا لها، بالمرتبة السادسة من بين أكثر الشركات دعما لحملة المرشحة الديمقراطية بمبلغ 10 ملايين دولار.
وارن بافت الذي يعد من أغنى رجال الأعمال في الولايات المتحدة، دعم حملة كلينتون عبر تنظيم فعاليات دعم تبدأ من 30 ألف دولار كحد أدنى.
ومن بين رجال الأعمال في قطاع التكنولوجيا الذين دعموا كلينتون، رئيس الشركة القابضة لجوجل ألفابت ،(Alphabet) أريك شميت، وتيم كوك الرئيس التنفيذي لشكة آبل ، وداستن موسكوفيتز، أحد المشاركين في تأسيس موقع فيسبوك ، وجيريمي ستوبلمان، المدير التنفيذي لشركة يلب ، (Yelp) وريد هاستينجز، المدير التنفيذي لشركة نتفليكس (Netflix).
ونشرت 145 شركة بينها الشركات المذكورة، بيانا عبر الإنترنت، حذروا فيه بأن رئاسة ترامب قد تؤدي إلى كارثة من حيث الابتكار .
ومن اللافت للنظر بين الداعمين لكلينتون وترامب، هو دعم رئيس شركة (Renaissance Technologies)، والخبير في كسر وتفسير الرموز والأشكال الرياضية، جيمس هاريس سيمونز، للمرشحَين معا.
الملياردير ورجل الأعمال اليهودي الشهير سيمونز ، كان من بين المتصدرين لقائمة أكثر الداعمين للمرشحَين المذكورين، حيث قدم لكلينتون 14 مليون دولار، ولترامب 15 مليون دولار، ليكون بذلك أكبر داعم لحملة ترامب، وثاني أكبر الداعمين لحملة كلينتون.
100 شركة أعلنت تأييدها لحزب المحافظين البريطاني
انتخابات بريطانيا 2015 أكدت الدور الكبير للشركات في مجريات العملية الانتخابية والديمقراطية بدعم 100 شركة لحزب المحافظين وسياساته الاقتصادية التي تتفق ورؤاهم. ولم تخف الشركات دعمها، بل كشفت ذلك عبر خطاب رسمي وقعت عليه الشركات الـ100.
ورد في الخطاب أن الخطة الاقتصادية التي يقودها حزب المحافظين في الحكومة أثبتت دعم الاستثمار وتوفير فرص عمل، وأن تغييرها يهدد سوق العمل وتعافي الاقتصاد.
وقّع مائة من مديري كبرى الشركات البريطانية خطابا مفتوحا، أعلنوا فيه رفضهم أي تغيير في السياسة الاقتصادية للبلاد بعد الانتخابات البرلمانية، ودعمهم خطة حزب المحافظين.
وصف هذا الخطاب بأنه تدخل غير مسبوق للشركات في الانتخابات في بريطانيا.
وأعلن حزب العمال، المعارض، رفضه الخطاب، الذي يأتي بعد إعلان زعيم الحزب، إد ميليباند، السعي لإقرار قانون يمنح العاملين حق الحصول على عقد ثابت حال انتظامهم في العمل لمدة 12 أسبوعا.
في حين رحب حزب المحافظين بالخطاب، واعتبره دعما للخطة الاقتصادية للحكومة الائتلافية التي تضم المحافظين وحزب الليبراليين الديمقراطيين.
وقال وزير الخزانة البريطاني، جورج أوسبورن، إن الخطاب بمثابة ضربة لمصداقية حزب العمال فيما يخص الاقتصاد.
كذلك دافع عضو حزب المحافظين والرئيس الأسبق لإحدى الشركات الموقعة، ستيوارت روز، عن الخطاب.
وقال إن 20% فقط من الموقعين هم من داعمي المحافظين. وتتضمن قائمة الموقعين عددا من الشركات الصغيرة والمتوسطة والكبرى، لثقتهم في جدوى السياسات الحالية .
وجاء في الخطاب أن أي تغيير في الخطة الاقتصادية بعد انتخابات مايو 2015، ستهدد الوظائف وخطة تعافي الاقتصاد.
كما يرى الموقعون أن خفض ضرائب الشركات أظهر دعم المملكة المتحدة قطاع الأعمال، وخلق عدد كبير من الوظائف.
وكان حزب العمال قد أعلن في خطته الاقتصادية إعطاء الأولوية للشركات والاستثمارات الصغرى، عوضا عن الشركات الكبرى.
ويزيد عدد العاملين في الشركات الموقعة على الخطاب على نصف مليون موظف، يشكلون قوة تصويتية كبيرة في الانتخابات.
فرنسا.. انتخابات ملوثة بالمال
كشف موقع ميديا بارت الفرنسي، فضيحة جديدة لمرشح الانتخابات الرئاسية الفرنسية فرنسوا فيون، بعقده مطلع عام 2016 صفقة مالية غامضة مع رجل أعمال لبناني. وكشفت الصحيفة أن فيون ارتبط، في مطلع 2016، بصفقة مالية غامضة ومثيرة للجدل مع رجل الأعمال.
ولفتت الصحيفة إلى أنّ فيون تفادى الحديث عن علاقاته المالية به، حين اضطر إلى عقد مؤتمر صحفي في 6 فبراير الماضي، بخصوص نشاطات شركة الاستشارات التابعة له. واعترف فيون آنذاك بأن شركته ارتبطت بعقود مالية ضخمة مع شركة التأمينات AXA وشركة الاستثمارات المالية Filmac وبنك Oddo ومكتب المحاماة Ricol Lasteyrie، بقيمة إجمالية قُدّرت بـ750 ألف يورو. لكنه تستر على صلات شركته بـFPI.
واستغربت ميديا بارت الخفة التي تعامل بها فيون في هذه القضية. فهو كان قد أعلن ترشحه رسميًا للرئاسة الفرنسية عندما تعاقد مع الشركة. ولم يكن يخفى عليه أن اتفق مع شخصية مثيرة للجدل، حيث سبق أن أثيرت حوله شبهات تمويل غير شرعي لحساب حزب المحافظين في بريطانيا. كما أنه تسبب، عام 1995، في استقالة وزير الدفاع البريطاني جواناثان أيتكن، وسجنه لاحقًا، على خلفية صفقة سلاح مشبوهة.
ولطالما ارتبطت الرئاسة الفرنسية بفضائح مالية ارتبطت بتمويل الحملات الانتخابية.
فقد وجه قضاة تحقيق فرنسيون اتهامات للرئيس السابق نيكولا ساركوزي تتعلق بتمويل غير شرعي لحملته لانتخابات الرئاسة عام 2012، وهو ما أثر سلبا في ترشحه لانتخابات الرئاسة القادمة.
وقالت النيابة العامة إن ساركوزي (61 عاما) خضع للاستجواب، لتُوجه له بعد ذلك الاتهامات بسبب تجاوز السقف القانوني لتمويل حملته لانتخابات عام 2012، والمحدد بـ22.5 مليون يورو (25 مليون دولار).
وكانت سجلات حملته الرئاسية كشفت أن قيمة التمويلات تجاوزت السقف القانوني بـ17 مليون يورو (19 مليون دولار)، وقد تم تغريمه في وقت سابق بسبب هذا التجاوز مبلغ 364 ألف يورو (407 آلاف دولار).
يشار إلى أن ساركوزي خضع للتحقيق في قضايا أخرى يتعلق بعضها بتلقي أموال من ليبيا في حكم معمر القذافي، بيد أنه لم يُحل إلى المحكمة في أي من تلك القضايا.
التأثير السياسي لرؤوس الأموال الخاصة خاضع لسيطرة الحكومات
تملك رؤوس الأموال الخاصة، تأثيرات لا حصر لها في الإطار السياسي العالمي، يتباين بين كل دولة وأخرى، لكن تشعبه في ظل العولمة يلقي بظلاله على العالم أجمع.
ضمن أشهر الأمثلة على ذلك، ما قامت به شركتا بلاك ووتر و هاليبرتون من سيطرة على العديد من القطاعات الحيوية خلال الحرب الأمريكية على العراق، قطاعات شملت الأمن، واستخراج النفط العراقي، وغيرها، حتى إن سجنًا عراقيًا شهيرًا هو أبو غريب كانت الممارسات الوحشية التي تتم بداخله، بقيادة شركة أمن أمريكية خاصة هي بلاك ووتر .
عن كل هذا، يقول محمد عبدالعاطي، رئيس قسم الاقتصاد بجريدة المصري اليوم في تصريحات خاصة لـ لوسيل : رؤوس الأموال الخاصة تمارس تأثيرًا سياسيًا عالميًا لا غبار عليه، لكنه يبقى تحت أنظار الحكومة، وتحديدًا في القطاعات الإستراتيجية المؤثرة في المناخ السياسي، وهذا ما يجعل الحكومات تسعى دومًا لضبطه وفق القوانين .
وطرح عبدالعاطي نموذجًا من كوريا الجنوبية، وهو سيطرة شركتي سامسونج و إل جي على نسبة كبيرة للغاية من الاقتصاد الكوري، لكن الحكومة تحرص دائمًا على تأطير تلك السيطرة وفقًا لقوانينها، نظير ترك السوق لرأس المال الخاص ، قبل أن يضيف: في معظم الدول، يسد رأس المال الخاص فجوات السلع الإستراتيجية، يلعب دور المساند لرأس المال الحكومي حال عدم قدرته على سد ذلك العجز، في مصر على سبيل المثال، تعتبر سلعة مثل السكر إستراتيجية مؤثرة في الحياة السياسية، هذا ما يجعل القطاع الحكومي حريصًا على ضبط حركة توزيعها وإبعادها قدر الإمكان عن أيدي القطاع الخاص، لأن سلعة مثل السكر تؤثر بشكل كبير في الواقع السياسي .
ويعزي عبدالعاطي ذلك التباين في نسبة مساهمة القطاع الخاص في السلع الإستراتيجية بين الدول المختلفة إلى اختلاف نسب الفقر، وتباين السلع الإستراتيجية بين المجتمع والآخر، ومدى التشريعات التي تحكم بها الدول آلية ضبط حركة رأس المال الخاص .
ويعود عبدالعاطي إلى مثال آخر من مصر، قائلًا: دخول شركة عالمية مثل بريتيش بيتروليوم (بي بي) إلى قطاع البترول في مصر، تتحكم فيه الدولة من خلال ما يسمى بـ اتفاقيات الشريك الأجنبي ، حيث تكون للدولة العديد من الأولويات أبرزها أولوية الشراء ، ملوحًا بنموذج آخر من أمريكا قائلًا: أيضًا في أمريكا، تتعامل الدولة مع شركات التسليح الخاصة، التي تملك تقنيات أعلى في صناعة أنواع جديدة من الأسلحة، ولكن الدولة تحدد إطارا لذلك من خلال اتفاقيات يسنها الكونجرس .
وإلى نموذج عربي آخر، هذه المرة من الجزائر، يقول عبدالعاطي: عندما حدثت مشكلة بين الحكومة الجزائرية وشركة جيزي التي كانت مملوكة لرجل الأعمال المصري نجيب ساويرس، شهدت تدخل أعلى القيادات السياسية في البلاد، وحتى من خارج الجزائر، لأن سوق الاتصالات الجزائري محوري للغاية .
أجمل عبدالعاطي، في نهاية تصريحاته لـ لوسيل وجهة نظره قائلًا: بكل تأكيد، تؤثر الشركات ورؤوس الأموال الخاصة على الحياة السياسية في العالم أجمع، لكن الدول تحرص قدر الإمكان على إبقاء ذلك التأثير تحت السيطرة، وفقًا لقوانين كل دولة، وظروفها .
أكد عامر بني عامر، مدير مركز راصد للعملية الانتخابية، أن رجال الأعمال وأصحاب الأموال يتقدمون العلمية الانتخابية الأردنية عبر ترشيح أنفسهم وليس دعم مرشحين آخرين والاستفادة من وجودهم في البرلمان مستقبلا، موضحا أن رجال الأعمال يستغلون الأموال في اجتذاب الناخبين حولهم والحصول على أكبر قدر ممكن من الأصوات.
وأوضح أن المحاولة الدائمة من رجال الأعمال إلى دخول المعترك النيابي يأتي في رغبتهم إلى الوصول إلى السلطة لتنفيذ مصالح شخصية من خلال استغلال مواقعهم في البرلمان للممارسة الضغوط على العديد من الجهات، لافتا إلى أن هناك عددا لا بأس فيه من أعضاء مجلس النواب رجال أعمال ويمتلكون أموال عديدة.
وبين بني عامر في حديث لـ لوسيل أن المال السياسي يلعب دورا بارزا في الانتخابات البرلمانية الأردنية في كل دورة، وذلك عبر صرف أموال مبالغ فيها في الدعاية الانتخابية والترويجية للمرشح، وذلك للتأثير على الناخب بأسلوب الزخم الإعلامي، لافتا إلى أن مصطلح المال السياسي يختلف تماما عن مصطلح المال الأسود في الانتخابات، والذي يواجه سوء فهم دائم من مختلف الأوساط في العلمية الانتخابية.
وأكد أن المال الأسود الذي يمارس في الانتخابات هو عبارة عن شراء الأصوات، وذمم الناخبين من خلال الأموال النقدية والواضحة إلى العيان أو عن طريق الهدايا والعطايا على مدار السنوات التي تسبق ترشح النائب.
وحول تقديرات المال الأسود الذي ينفق على العملية الانتخابية بين بني عامر، قال إنه من الصعب الوصول إلى رقم يعبر عن قيمة الصرف في تلك العملية، وذلك بسبب أنه يتم في الخفاء ولا نستطيع معرفة المبالغ التي تصرف ، لافتا إلى أن من يقوم بعملية الوساطة ما بين المرشح والنائب هم أرباب السوابق، وذلك لضمان عدم كشفهم من الجهات الرسمية.
وأشار إلى أن الهيئة المستقلة للانتخابات أعلنت عن ضبط بعض حالات شراء الأصوات خلال الانتخابات الأخيرة، إلا أنه لم يتم الإعلان عن أسماء المرشحين المتورطين، أو الإجراءات التي تتخذ بحقهم، مشيرًا إلى أن أسباب المال السياسي يرجع إلى خلل في التعليمات، وتحديدا في سقف تمويل الحملات الانتخابية.
ويشار إلى أن الهيئة المستقلة للانتخاب حوّلت 59 شكوى من أصل مئات الشكاوى بتهم المال السياسي للادعاء العام، وصلت الهيئة مئات الشكاوى تتعلق بالمال السياسي تم دراستها وتحويل ما ثبت جديته لدائرة الادعاء العام، ولم تكشف الهيئة آنذاك عن أسماء المرشحين الذين وردت أسماؤهم في الشكاوى.