1.5 مليون صفحة عن تاريخ منطقة الخليج للباحثين والدارسين من جميع أنحاء العالم
تحتفل مكتبة قطر الرقمية هذا الأسبوع بمرور أربع سنوات على تدشينها، زار خلالها ما يزيد عن 1.2 مليون مستخدم موقعها الإلكتروني المتاح باللغتين العربية والإنجليزية، وبلغ عدد مشاهدات صفحاتها أكثر من 10 ملايين مشاهدة.
ومكتبة قطر الرقمية التي تتيح لكافة الزائرين في مختلف أنحاء العالم الاطلاع المجاني على مجموعة مهمة من المقتنيات التاريخية في المكتبة البريطانية هي ثمرة شراكة طويلة المدى بين مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع، ومكتبة قطر الوطنية، والمكتبة البريطانية، لرقمنة المجموعات التاريخية المتعلقة بتاريخ قطر ومنطقة الخليج ومخطوطات العلوم العربية.
وجعلت مكتبة قطر الرقمية، التي تحتوي على بيانات وصفية للمواد المرقمنة باللغتين العربية والإنجليزية، مجموعات الوثائق والمخطوطات التاريخية التي كانت من قبل متاحة فقط للاطلاع في الغرف المخصصة للقراءة بالمكتبة البريطانية، متاحة لأي باحث أو أكاديمي أو طالب أو مهتم في أي مكان في العالم بأسره.
اتفاقية الشراكة
وفي وقت سابق هذا العام، مددت مكتبة قطر الوطنية اتفاقية الشراكة مع المكتبة البريطانية التي بدأت في عام 2012 من أجل إضافة 900 ألف صفحة رقمية إلى مجموعة تضم 1.5 مليون صفحة منشورة حتى الآن في الموقع الإلكتروني لبوابة مكتبة قطر الرقمية.
وفي إطار الاحتفاء بهذه المناسبة، شاركت سعادة الشيخة هند بنت حمد آل ثاني، رئيس مجلس أمناء مكتبة قطر الوطنية، وكارول بلاك، رئيس مجلس إدارة المكتبة البريطانية، في حفل أقيم مساء أمس بالمكتبة البريطانية في لندن.
وقبل الاحتفال قامت سعادة الشيخة هند بجولة في استوديو الرقمنة في الطابق السادس بالمكتبة البريطانية، حيث يتم رقمنة المواد المرتبطة بالخليج، من ملفات موسيقية وخرائط وسجلات السفن وتقارير ومراسلات وخطابات، وأوراق خاصة ومطبوعات تاريخية، وفهرستها بالكامل ثم نشرها على الموقع الإلكتروني لمكتبة قطر الرقمية (www.qdl.qa).
أمسية مُلهمة
يُسعدني أن أكون معكم في هذه الأمسية المُلهمة، حيث نجتمعُ سويًا للاحتفال بنجاحٍ جديد، يتحقق بمرور أربعة أعوام على تأسيس مكتبة قطر الرقمية. وأود أن أغتنم الفرصة، لأعبّر عن مدى سعادتي بوجودي في لندن، وتحديدًا في هذا الصرح الثقافي العريق، في المكتبة البريطانية.
هذا الصرح الذي يضم في زواياه منابع المعرفة على اختلاف أطيافها، ليُشكّل لنا، وللأجيال القادمة، كما شكّل لأسلافنا، مصدر إلهام ومحرك بحث عن آفاقٍ جديدة. قبل الانطلاق في رحلة استكشاف مكتبة قطر الرقمية، وما حققناه معًا من إنجازات، وما نصبو إليه من تطلعات مستقبلية، دعوني أشارككم ذكرياتي مع المكتبة البريطانية وأثرها الإيجابي في حياتي، وكيف ساهمت بشكل كبير في صقل معارفي ومهاراتي.
عندما كنتُ طالبة ماجستير في كلية لندن الجامعية، كانت المكتبة البريطانية وجهتي المفضلة. لم أكن أتردد على المكتبة بحثًا عن مصادر ومراجع مهمة لإنجاز رسالتي فحسب، بل لأن هذا الصرح كان المكان الأقرب إلى قلبي في لندن. فها هنا أثار التاريخ شغفي، وألهمني التراث أهمية متابعة رحلة التعلّم مدى الحياة.
أحببتُ تفاصيل هذا المكان، وكيف لا؟ وقد أُتيحت لي فرصة البحث عن المعرفة، إلى جانب روّادها من الشباب وكبار السنّ، حيث كنّا نتلمّس معًا عراقة الماضي، ونستشرفُ المستقبل من صفحات التاريخ. إن حضوري هنا الليلة، يعيد إليَّ مشاعر الحماس التي كانت تنتابني عندما كان ضوء المكتب يومض، ليخبرني بأن كتابي جاهزٌ للاستلام.
مكانةٌ مرموقة
للمكتبة البريطانية مكانةٌ مرموقة في قلبي، لأنها علّمتني قيمة معرفية لا تُقدّر بثمن، فمن خلالها أيقنتُ أهمية الإرث التاريخي والحضاري لبلدي قطر. إذ كان من الصعب أن نكتشف الجوانب المختلفة لهذا الإرث من خلال الحصص المدرسية، والجلسات العائلية، واللقاءات الاجتماعية فحسب.
في رحاب المكتبة البريطانية تمكنتُ من محاكاة التاريخ، والتحليق في سماء الماضي، فتوقفتُ عند خلاصة تجارب شخصيات تاريخية مرموقة وفي طليعتها عدد من الدبلوماسيين البريطانيين، حطّت حقائبهم الدبلوماسية في قطر، ما أتاح لي فرصة الاطّلاع على وثائقٍ نادرة خطّتها مَحَابرهم، وبحثتُ في تقاريرهم، فلمستُ في حكاياتهم كيف نظروا إلى بلدي قطر، وتمكنتُ من قراءة أفكارهم عن وطني، في حلّهم وترحالهم.
من خلال المكتبة البريطانية - التي أكنّ لها كل امتنان - اكتشفتُ قصة بلدي قطر في عيون التاريخ، وأيقنتُ دون شكّ أن لكلّ قصة جوانب مختلفة.
قوة المكتبات
يُقال إن المكتبات تمنحنا القوة، والقدرة على إلقاء نظرة عبر التاريخ، واكتشاف ما يمكن أن يخبرنا به الماضي عن حاضرنا ومستقبلنا. لكن الاستفادة من هذه القوة يعتمد على إمكانية الوصول إليها.
ولذا، أعتبر نفسي من المحظوظين في هذا العالم، الذين امتلكوا قوّة الوصول إلى المعرفة، والتي مكنّتني منها المكتبة البريطانية، التي كنتُ أقصدها سيرًا على الأقدام من مقرّ إقامتي في لندن.
وفي قطر أيضًا، يمكنني التجول في أرجاء مكتبتنا الوطنية الجديدة في أي وقت، لكن الوصول إلى هذا الكمّ من المعرفة حول العالم من خلال التجول ليس ممكنًا للجميع، وهذا ما يحفزّنا على الاستفادة من إمكانيات العصر الرقمي، من أجل توفير المعرفة للعالم بأسره.
فبفضل العصر الرقمي لم يعد الوصول للمكتبات محصورًا بالمباني. وها نحن نجتمع هنا اليوم للاحتفال بمشروع نموذجي، يُجسّد كيفية تحويل المكتبات إلى منصاتٍ مفتوحة للجميع.
مكتبة قطر
إن إطلاق مكتبة قطر الرقمية، منذ أربعة أعوام مضت، جاء ثمرة شراكتنا مع المكتبة البريطانية. وقد أصبحت هذه الشراكة شاهدًا حقيقيًا على التزامنا بالحفاظ على تاريخنا المشرق، وتراثنا الثقافي، الذي وُضع بين أيدي أمينة بإدارة مكتبة قطر الوطنية - حتى باتت هذه المكتبة منصةً جامعًة، ومصدرًا رئيسيًا وموثوقًا للباحثين في تاريخ الخليج العربي، والعلوم، والطب العربي، في العصور الوسطى وغيرها من المجالات.
وقد أرست صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر، رئيس مجلس إدارة مؤسسة قطر، هذه الشراكة انطلاقًا من رؤيتها، التي أرادت من خلالها أن ننظر إلى التاريخ بنظرةٍ معاصرة. وتعدّ مكتبة قطر الرقمية تجسيدًا لهذه الرؤية الحكيمة.
لقد حققنا من خلال هذه الشراكة هدفًا ساميًا، وهو إتاحة المعرفة مجانًا لكلّ الأفراد وفي شتّى أنحاء العالم، إذ يتسنى لمستخدمي المكتبة اليوم الوصول مجانًا إلى محتوى رقمي بالغ الضخامة يصل إلى مليون ونصف المليون صفحة. إن هذا لمدعاةٌ للفخر، ومحطة مهمّة في مسيرتنا الرامية إلى تعزيز الوعي بتراثنا الثقافي وفكرنا العربي والإسلامي. فقد أضحت المكتبة موردًا حيويًا للمؤرخين والطلاب المهتمين باكتشاف تراثنا. مثالٌ على ذلك: تمكّن طالب دكتوراه من جامعة أكسفورد، من إنجاز رسالته حول (المفاهيم البريطانية عن الإسلام بالقرن التاسع عشر) استنادًا إلى مراجع ووثائق قيّمة وفّرتها له مكتبة قطر الرقمية.
مرحلة ثالثة
أربعُ سنوات مضت، وها نحنُ نمضي قدمًا في رحلتنا، لنتطلع سويًا إلى مرحلة ثالثة من شراكتنا مع المكتبة البريطانية، التي تنطلق العام المقبل، مع إضافة زهاء مليون صفحة أخرى إلى مكتبة قطر الرقمية، تشمل موارد جديدة مصدرها: تركيا، وفرنسا، وهولندا، والهند، والمملكة المتحدة. كذلك، تتضمن المرحلة المقبلة تشجيع الدارسين وتحفيزهم على إجراء البحوث التي تُعنى باستكشاف تاريخ دولة قطر ومنطقة الخليج، وهذا ما يُمكّننا من تعزيز أواصر التواصل الثقافي، والفكري، والعلمي، بين العالم العربي والإسلامي وبقية العالم.
لقد زوّدتني المكتبة البريطانية بإرث معرفي ستتناقله الأجيال المقبلة، وفتحت لي آفاقًا جديدة، كما ستفتح مكتبة قطر الرقمية آفاقًا معرفية جديدة للجميع. من قطر، نمدّ جسور المعرفة نحو الصومال حيث تندر المكتبات، وإلى العراق حيث تأثرت المكتبات بتبعات النزاعات.
المكتبات تفتح لنا آفاقًا جديدة على العالم، ونحن نفتح آفاق مكتبتنا الرقمية إلى العالم أجمع. في الختام، أتوجه بجزيل الشكر إلى المكتبة البريطانية على شراكتها القيّمة مع مؤسسة قطر، وما أثمرت عنه من صرح ثقافي ومعرفي رائع وهو مكتبة قطر الرقمية، كما أتوجه بالشكر الخالص إلى مكتبة قطر الوطنية على إدارتها مكتبة قطر الرقمية.
من جهتها صرحت الدكتورة سهير وسطاوي، المدير التنفيذي لمكتبة قطر الوطنية التي كانت ضمن الحاضرين في الحفل، بالقول: تُجسِّد مكتبة قطر الرقمية القيم الجوهرية في رسالة مكتبة قطر الوطنية، وهي إتاحة الوصول للمعلومات للجميع. وقد مثَّلت مكتبة قطر الرقمية مصدرًا مهمًا للعديد من الباحثين في مختلف المجالات ساعدهم على القيام بأبحاثهم ودراساتهم في تخصصات العلوم أو التاريخ أو علم الآثار أو علم الاجتماع وغيرها من فروع المعرفة .