موارد اقتصادية غير مستغلة أصبحت في قبضة طالبان:

تريليون دولار قيمة المعادن غير المستغلة في أفغانستان

لوسيل

شوقي مهدي

بعيداً عن المشهد السياسي والأمني المتوتر في أفغانستان وقريباً منه، يتمتع هذا البلد بميزة اقتصادية وجيوسياسية كبيرة نظراً لما يمتلكه من موارد اقتصادية وثروة معدنية غاية في الأهمية تشمل خام الحديد والنحاس والليثيوم وغيرها من المعادن الأخرى.

الآن وبعد سيطرة طالبان على أفغانستان بعد رحيل حكومة أشرف غني، بدأ الحديث عن رغبة العديد من الدول من الاستفادة من هذه الموارد الضخمة التي تتمتع بها طالبان، بجانب الصين التي تعد من كبار المستثمرين في أفغانستان، تستعد باكستان جارة أفغانستان للانخراط في هذا السباق، مستفيدة من علاقاتها القوية مع حركة طالبان.

الأوضاع الأمنية المتردية:

وبالتزامن مع الأوضاع الأمنية المتردية ودخول حركة طالبان للعاصمة الأفغانية كابول، بدأت المؤسسات الإعلامية ومحطات التلفزة حول العالم تتحدث عن الثروة المعدنية الضخمة في أفغانستان، حيث نشرت وسائل الإعلام تقريرا أعده مجموعة من الخبراء العسكريين والجيوسياسييين من الولايات المتحدة الذي يشير إلي أن أفغانستان تمتلك ثروة معدنية تقدر بحوالي تريليون دولار، تشمل معادن النحاس والليثيوم والحديد وغيرها، حيث ارتفعت قيمة هذه المعادن بشكل كبير على وقع التحول والتوجه العالمي صوب الطاقة النظيفة. وخلال العقد الماضي، لم يتم استغلال هذه الموارد والثروات الطبيعية بسبب الصراع الذي مزق أفغانستان.

بطاريات الليثيوم:

وفي الوقت يبذل فيه العالم جهوداً كبيرة للتحول نحو الطاقة النظيفة، يبرز معدن الليثيوم كأحد المصادر الأساسية لهذا التحول، حيث يشهد هذا المعدن نمواً في الطلب العالمي بشكل غير مسبوق نظراً لأنه يستخدم في صناعة البطاريات داخل السيارات الكهربائية والهواتف الذكية وأجهزة الحاسوب مسجلاً نموا سنويا يصل إلى 20% مقارنة بالأعوام الماضية.

وكشفت مذكرة داخلية لوزارة الدفاع الأمريكية أن أفغانستان تمتلك ما يقرب من تريليون دولار من المعادن غير المستغلة، مشيرة إلى أن حجم هذه المعادن يتجاوز بكثير أيّ احتياطيات معروفة سابقًا، وتكفي لتغيير الاقتصاد الأفغاني أساسًا، وربما الحرب الأفغانية نفسها، وفقًا لمسؤولين كبار في الحكومة الأميركية.

وأشار المسؤولون إلى أن المعادن غير المستغلة -بما في ذلك الحديد والنحاس والكوبالت والذهب والمعادن الصناعية المهمة مثل الليثيوم- كبيرة جدًا، وتتضمن العديد من المعادن الضرورية للصناعة الحديثة، بحيث يمكن تحويل أفغانستان في النهاية إلى أحد أهم مراكز التعدين في العالم.

النفط والغاز:

قدّر تقرير صدر عام 2006 عن وزارة الطاقة الأمريكية، أن أفغانستان لديها مليار برميل من احتياطيات النفط، في حين أشارت تقديرات هيئة المسح الجيولوجي الأميركية في العام ذاته إلى احتياطيات بنحو ملياري برميل.

وتُقدر الهيئة الأميركية متوسط الموارد غير المكتشفة في أفغانستان بـ 15.7 تريليون قدم مكعبة من الغاز، و1.6 مليار برميل من النفط، بالإضافة إلى 562 مليون برميل من سوائل الغاز الطبيعي.

في عام 1998، وقّعت شركة يونوكال الأمريكية صفقة مع طالبان لبناء خط أنابيب للغاز الطبيعي (تابي) بطول 890 ميلًا من تركمانستان إلى باكستان، لكنها باءت بالفشل، بسبب استمرار الحرب الأهلية.

ويُعدّ مشروع خط أنابيب تابي (TAPI) أو مشروع (Trans-Afghanistan Pipeline)، أحد أكبر مشروعات نقل الغاز في المنطقة، الذي كان من المتوقع عند تنفيذه ستصبح أفغانستان مركزًا اقتصاديًا مهمًا، بحسب وزارة المعادن والنفط.

احتياطات ضخمة:

أشارت مذكرة وزارة الدفاع الأمريكية إلى اكتشاف الحجم الهائل للثروة المعدنية الأفغانية من قبل فريق صغير من مسؤولي البنتاغون وعلماء الجيولوجيا الأمريكيين، حسبما أفادت صحيفة نيويوزك تايمز.

ودفع هذا الأمر وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) إلى القول بأن ما تمتلكه أفغانستان من الليثيوم يشبه ما تمتلكه السعودية من احتياطات النفط العالمية. وسيشهد خام النحاس أيضا انتعاشا اقتصاديا بعد التعافي من وباء كورونا بزيادة تصل إلى 43% مقارنة بالعام المنصرم.

وفي هذا الصدد، يمكن تحقيق أكثر من ربع الثروة المعدنية المستقبلية لأفغانستان من خلال توسيع أنشطة تعدين واستخراج خام النحاس. وذكر تقرير نشرته (دويتشه الألمانية) إنه من المرحج أن تكون الصين أكبر المستثمرين في أفغانستان ومساعدتها في بناء نظام تعدين فعال لتلبية احتياجاتها الكبيرة من المعادن. وفي مقابلة مع DW، قال مايكل تانشوم، زميل بارز في المعهد النمساوي للسياسة الأمنية الأوروبية، إن سيطرة طالبان على أفغانستان تزامنت مع نشوب أزمة في المعروض من هذه المعادن في المستقبل المنظور فيما تحتاج الصين إلى هذه المعادن .

وأضاف الصين بدأت تخطو خطواتها داخل أفغانستان من أجل تعدين هذه المعادن . في الوقت نفسه، يخشى المسؤولون الأمريكيون من أن الصين المتعطشة للموارد ستحاول الهيمنة على تنمية الثروة المعدنية لأفغانستان، الأمر الذي قد يزعج الولايات المتحدة، بالنظر إلى استثماراتها الضخمة في المنطقة.

تعاون أمريكي

خلال الفترة بدأت الولايات المتحدة في مساعدة أفغانستان في استغلال هذه المعادن من خلال مساعدتهم على تأسيس نظام للتعامل مع تطوير المعادن، وتمّ التعاقد مع شركات محاسبة دولية لديها خبرة في عقود التعدين للتشاور مع وزارة المناجم الأفغانية. حالياً وبعد سيطرة طالبان على البلاد، يتساءل الكثير من المحليين حيال ما إذا كانت طالبان تمتلك الكفاءة والرغبة في استغلال ثروات أفغانستان الطبيعية بالنظر إلى الأموال الطائلة التي تجنيها الحركة من تجارة المخدرات.

وقال مسؤولون أمريكيون، إن أكبر الرواسب المعدنية المكتشفة حتى الآن هي من الحديد والنحاس، والكميات كبيرة بما يكفي لجعل أفغانستان منتجًا عالميًا رئيسًا لكليهما. وتشمل الاكتشافات الأخرى رواسب كبيرة من النيوبيوم (معدن ناعم يُستخدم في إنتاج الفولاذ فائق التوصيل)، والعناصر الأرضية النادرة، ورواسب الذهب الكبيرة في مناطق البشتون جنوب أفغانستان. ويواجه ذلك تعقيداً آخر، وهو أنه نظرًا لأن أفغانستان لم يكن لديها الكثير من الصناعات الثقيلة من قبل، فلديها أيضًا القليل من الحماية البيئية، أو ليس لديها تاريخ على الإطلاق. رغم كل هذه الموارد والاحتياطيات السالف ذكرها، تُعد أفغانستان إحدى أفقر الدول في العالم.

وبسبب الحرب، يعيش نحو 90% من سكان أفغانستان بما يقل عن دولارين في اليوم بدعم من المساعدات الأمريكية. ويرى تقرير صادر عن خدمة أبحاث الكونغرس في يونيوأن مستقبل الاقتصاد الأفغاني غير مؤكد، في أحسن الأحوال، وكان ذلك قبل سيطرة طالبان التي أعقبت انسحاب القوات الأمريكية، على خلفية قرار للرئيس الأمريكي، جو بايدن.

وبشكل عام، تُشكل الزراعة نصف النشاط الاقتصادي في أفغانستان، وبعدها تأتي المساعدات الخارجية -مصدر دخل رئيس للدولة- إذ تغطي 75% من إنفاق الحكومة الأفغانية، بحسب البنك الدولي.

وتُظهر هذه الأرقام حقيقة غياب الموارد الهائلة من المعادن والنفط والغاز عن دعم الاقتصاد، فبحسب تقرير صادر يونيو2021 عن مبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية في أفغانستان، بلغت عائدات الحكومة من الصناعات الاستخراجية أكثر من 55 مليون دولار عام 2019.