د. مراد أوزاني المدير بمركز «قطر لبحوث الحوسبة في حوار لـ «العرب»: خوارزميات للتنبؤ بأعطال شبكات الكهرباء ومعدات النفط والغاز

alarab
المزيد 24 نوفمبر 2025 , 01:24ص
حامد سليمان

منصة (نُمُوِّي) تساعد الطلاب والأساتذة في تعلم أمثل للغة العربية باستخدام الذكاء الاصطناعي في مؤتمر «وايز»

تركيز على مجالات بحثية أساسية تخدم احتياجات قطر والعالم

أبحاثنا في مجالات الذكاء الاصطناعي وتقنيات اللغة العربية ومعالجة النصوص والأمن السيبراني وهندسة البحوث لتحويل الابتكارات إلى تطبيقات عملية.. وتعزيز الاقتصاد المعرفي للدولة 

«فنار» يطور منصة ذكاء اصطناعي توليدي يركز على اللغة العربية.. وإصدار نسخة جديدة الشهر المقبل

 

أكد الدكتور مراد أوزاني - مدير البحوث في معهد قطر لبحوث الحوسبة – أن المعهد يركز على مجالات بحثية أساسية تخدم احتياجات قطر والعالم، وأن الأبحاث في مجالات الذكاء الاصطناعي وتقنيات اللغة العربية ومعالجة النصوص والأمن السيبراني وهندسة البحوث لتحويل الابتكارات إلى تطبيقات عملية. وكشف عن استخدام خوارزميات التعلّم الآلي في التنبؤ بالأعطال قبل حدوثها في شبكات الكهرباء ومعدات النفط والغاز، ما يسهم في صيانة وقائية وتقليل فترات التوقف في شبكات الكهرباء ومعدات النفط والغاز.
وقال في حوار لـ «العرب» إن «فنار»، مشروع وطني رائد لتطوير منصة ذكاء اصطناعي توليدي يركز على اللغة العربية يقوده المعهد، شهد قفزات نوعية خلال العامين الماضيين، وسيتم إصدار 2.0 من «فنار» الشهر المقبل، موضحاً أن الإصدار الجديد يضم نموذجًا أضخم (27 مليار معامل) وقدرات متقدمة مثل فهم الصوت والصور بشكل أعمق، مع تطوير نموذج متخصص في إنتاج الشعر العربي الأصيل. وأوضح أن المؤسسات في قطر تدرك أهمية الذكاء الاصطناعي وتحرص على مواكبة التطورات في هذا المجال، وأن العديد من الجهات المحلية تعتمد حلولا قائمة على الذكاء الاصطناعي في أعمالها. كما أكد وجود شراكات مع منظمات دولية كالأمم المتحدة والبنك الدولي لتوظيف الذكاء الاصطناعي في حل مشكلات إنسانية وتنموية، مشيراً إلى أن هناك مستقبلا واعدا جداً للذكاء الاصطناعي في قطر.
كما كشف عن الإعلان عن انطلاق منصة « نُمُوِّي» (https:/‏‏/‏‏numue.qcri.org/‏‏) لمساعدة الطلاب والأساتذة في تعلم أمثل للغة العربية باستخدام الذكاء الاصطناعي في مؤتمر «وايز» المقرر انطلاقه اليوم الاثنين، وتحسين جودة التعليم
 وجعل عملية التعلم أكثر جاذبية وكفاءة.. إلى نص الحوار:

◆ حدثنا عن أبرز الأبحاث التي يعمل عليها المعهد
¶ يركز معهد قطر لبحوث الحوسبة على مجالات بحثية أساسية تخدم احتياجات دولة قطر والعالم، تشمل الذكاء الاصطناعي وتحديدًا التعلم الآلي والنماذج التوليدية الحديثة، وتقنيات اللغة العربية ومعالجة النصوص، والأمن السيبراني، وهندسة البحوث لتحويل الابتكارات إلى تطبيقات عملية. على سبيل المثال لا الحصر، يعمل المعهد حاليًا على منصة ذكاء اصطناعي توليدي باللغة العربية «فنار» بالإضافة إلى مشاريع في الصحة الرقمية، وتمكين الذكاء الاصطناعي من أجل الخير، ومنصة تقدم خدمات لتقييم مخاطر السلامة وتهديدات الأمان الناشئة من استخدامات النماذج اللغوية الكبرى، وذلك بهدف إيجاد حلول رقمية مبتكرة للتحديات المحلية مع الحرص على أن تحقق الأبحاث أثرًا فعليًا في قطاعات التعليم والصحة والصناعة. فهذه التوجهات البحثية تجسد دور المعهد كمركز وطني متقدم للبحوث الحاسوبية يساهم في تعزيز الاقتصاد المعرفي لدولة قطر. 

◆ ما أبرز مستجدات مشروع «فنار»؟
¶ «فنار» هو مشروع وطني رائد لتطوير منصة ذكاء اصطناعي توليدي يركز على اللغة العربية يقوده المعهد. وقد شهد المشروع قفزات نوعية خلال العامين الماضيين. 
ويقدم فنار قدرات توليد وفهم متعددة الوسائط؛ فهي تفهم النص والصوت والصورة، وتستطيع الإجابة باللغة العربية الفصحى واللهجات المتعددة مع احترام السياق الثقافي والديني. علمًا أن «فنار» صُمّم وطُوِّر بالكامل بخبرات محلية بهدف سد الفجوة في تقنيات الذكاء الاصطناعي وضمان حلول ذكاء اصطناعي آمنة ومتوافقة مع ثقافتنا وقيمنا الإسلامية، وقد أصبح أحد المحاور الأساسية لاستراتيجية المعهد خلال الفترة الأخيرة. 
ومن أحدث التطورات إصدار 2.0 من «فنار» المتوقع إطلاقه في شهر ديسمبر، والذي سيضم نموذجًا أضخم (27 مليار معامل) وقدرات متقدمة مثل فهم الصوت والصور بشكل أعمق. ونوجز الميزات الجديدة في Fanar 2.0 في النقاط التالية:
● إتقان اللغة: تم تطوير نموذج لغوي عربي ضخم بحجم 27 مليار معامل لتحقيق طلاقة فائقة في اللغة العربية وتوليد محتوى عالي الجودة، مع توسيع حجم السياق لمعالجة محتوى أكثر تعقيدًا وذاكرة أطول. وقد أضيفت قدرات التفكير الثنائي اللغة، مما يمكّن النظام من اتخاذ قرارات استراتيجية وتوضيح خطوات التفكير باللغة العربية. كما تم تطوير نموذج متخصص في إنتاج الشعر العربي الأصيل. كما يدعم النظام حاليًا تنفيذ التعليمات المعقدة والمتعددة في خطوة واحدة.
● تعدد الوسائط: تم تعزيز نموذج تحويل الكلام إلى نص ليصبح أكثر دقة، مع القدرة على التعرف على المتحدثين باللهجات المختلفة. كما توسع نموذج تحويل النص إلى كلام ليشمل أصواتا جديدة وطبيعية باللغتين العربية والإنجليزية مع إمكانية التخصيص. وتمت ترقية قدرات فهم وتوليد الصور والفيديو لتكون أكثر وعيًا بالثقافة العربية.
● السلامة: أضيف نظام جديد متقدم لمراقبة المحتوى يتسم بالوعي الثقافي لحماية المستخدمين من المحتوى الضار أو غير المناسب.
● تجربة المستخدم: تم إطلاق واجهة مستخدم جديدة كلياً لتقديم تجربة أكثر سلاسة وسهولة على الويب والهاتف المحمول. 
◆ ماذا عن إسهامات المعهد في تعزيز مكانة اللغة العربية رقمياً؟
¶ يُولي المعهد أولوية بالغة للنهوض باللغة العربية في عصر المعلومات. وفي سبيل ذلك، قام بتأسيس فريق متخصص للتكنولوجيا اللغوية العربية يهدف إلى تمكين اللغة العربية رقمياً كي تزدهر في العالم الرقمي. حيث تشمل إسهاماتنا تطوير موارد وأدوات حاسوبية متقدمة للغة العربية مثل معالجات اللغة الطبيعية، والترجمة الآلية، وتحليل النصوص، مما يساعد في سد نقص المحتوى العربي على الإنترنت. 
وأكبر دليل على ذلك مشروع «فنار» الذي يهدف للمحافظة على اللغة العربية ولهجاتها في عصر الذكاء الاصطناعي ويضع معايير لضمان ملاءمة المخرجات اللغوية للهوية الثقافية. وبشكل عام، أسهمت جهود المعهد في ترسيخ مكانة اللغة العربية كلغة قادرة على الاستفادة الكاملة من التقنيات الحديثة، وذلك عبر تطويع أحدث ابتكارات الذكاء الاصطناعي لخدمة اللغة العربية وتعزيز حضورها رقميًا.  ومن دلائل جهودنا في خدمة اللغة العربية، حصول المعهد على جائزة مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية لعام 2023 عن فئة «حوسبة اللغة العربية وخدمتها بالتقنيات الحديثة». وتأتي الجائزة تقديرًا لأبحاثنا في مجال معالجة اللغات الطبيعية (NLP) للغة العربية، وتطوير ونشر التقنيات المتقدمة، والتعاون الاستباقي مع الشركاء الأكاديميين والخبراء عالميًا. حيث تُكرم جوائز مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية الأفراد والمؤسسات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الساعين للحفاظ على اللغة العربية وتعزيز أبحاثها واستخدامها عالميًا.

◆ كيف تقيمون استعانة المؤسسات القطرية بالذكاء الاصطناعي؟
¶ بشكل عام، المؤسسات في دولة قطر تدرك أهمية الذكاء الاصطناعي وتحرص على مواكبة التطورات في هذا المجال. فقد وضعت الدولة استراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي عام 2019 بالتعاون مع المعهد لرسم خارطة الطريق ودعم تبنّي التقنية على مستوى وطني. 
منذ ذلك الحين، بدأت العديد من الجهات المحلية باعتماد حلول قائمة على الذكاء الاصطناعي في أعمالها، ومثال ذلك: تنظيم الجامعات لورش عمل لتعزيز استخدام الذكاء الاصطناعي في التعليم، وسعي المستشفيات والمؤسسات الصحية لاستخدام تحليل البيانات الضخمة للتنبؤ بالأمراض وتحسين خدمات الرعاية الصحية. 
كما أن القطاع الحكومي تبنّى مشاريع تجريبية لأتمتة الخدمات ورفع الكفاءة. وبطبيعة الحال، يختلف مستوى النضج في تبنّي التقنيات بين مؤسسة وأخرى؛ حيث إن بعض القطاعات متقدمة في الاستخدام الفعلي، بينما قطاعات أخرى لا تزال في مرحلة بناء القدرات. وبصورة شاملة، فلاشك أن دولة قطر تؤسس بنية تحتية رقمية مناسبة، وتستثمر في الخبرات البشرية لضمان مواكبة هذه النقلة التقنية. 

◆ حدثنا عن إسهامات مركز قطر للذكاء الاصطناعي 
¶ مركز قطر للذكاء الاصطناعي هو الذراع البحثي الأساسي للذكاء الاصطناعي في المعهد، ويضطلع بدور محوري في تطوير تقنيات وخوارزميات الذكاء الاصطناعي في قطر. ويضم المركز خبراء في تعلم الآلة والرؤية الحاسوبية وقواعد البيانات والحوسبة الاجتماعية والمعلوماتية الحيوية والصحة الرقمية، مما يمكنه من تغطية نطاق واسع من التخصصات.
وقدم المركز إسهامات بارزة في عدة مجالات. فعلى الصعيد المحلي، شارك خبراء المركز في وضع الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي 2019. وعلى الصعيد التطبيقي، طور باحثو المركز حلولًا مبتكرة بالتعاون مع قطاعات مختلفة: على سبيل المثال، قام بالتعاون مع شركة بوينغ بتطوير نظام صيانة تنبؤي للطائرات يعتمد على الذكاء الاصطناعي بهدف الكشف المبكر عن الأعطال وتحسين سلامة وكفاءة الطائرات.
كذلك قام بشراكات مع منظمات دولية كالأمم المتحدة والبنك الدولي لتوظيف الذكاء الاصطناعي في حل مشكلات إنسانية وتنموية؛ مثل تحليل حركة اللجوء والهجرة، ورسم خرائط الفقر، وتتبع المعلومات المضللة أثناء الأزمات. إلى جانب ذلك، يحرص المركز على إنتاج أبحاث علمية رائدة، حيث نشرنا أبحاثًا في كبرى المؤتمرات والمجلات العالمية، وترجمة هذه الأبحاث إلى أدوات ومنصات يستفيد منها المجتمع. ومجمل هذه الجهود جعلت من المركز رافدًا مهمًا لتقدم دولة قطر في مجال الذكاء الاصطناعي ومكنّت المعهد من المساهمة في مشاريع وطنية ودولية ذات أثر ملموس. 

◆ ماذا عن مستقبل الذكاء الاصطناعي في قطر؟
¶ نرى أن مستقبل الذكاء الاصطناعي في قطر واعدٌ جدًا ويحمل فرصًا كبيرة لجعل الدولة رائدة إقليميًا في هذا المجال. حيث تمتلك قطر رؤية واضحة واستثمارًا مستمرًا في البنية التحتية والبحث العلمي لتحقيق ذلك الهدف. فعلى مستوى القيادة، هناك دعم ملحوظ يتجسد بإطلاق استراتيجيات ومشاريع وطنية مثل مشروع فنار وإشادة المسؤولين بأهميتها. وقد صرّح سعادة السيد محمد بن علي بن محمد المناعي، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، بأن فنار سيُحدث نقلة نوعية في دقة وفهم المحتوى العربي المولد آليًا، مما سيعزز قدرات الترجمة والإعلام والبحث العلمي. وهذا يدل على إيمان راسخ بأن الذكاء الاصطناعي سيكون محور الابتكار والتطور في قطر. 
ونتوقع خلال السنوات القادمة توسّع استخدام حلول الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات ليصبح جزءًا أساسيًا من الخدمات والصناعات، مدعوماً بكفاءات وطنية مؤهلة. كما ستركز قطر على تطوير نظم ذكاء اصطناعي تراعي القيم والثقافة المحلية على غرار منهجية فنار لضمان استدامة ونجاح تبنّي التقنية على المدى الطويل. باختصار، المستقبل يحمل تحولًا إيجابيًا تقوده قطر في مجال الذكاء الاصطناعي، عبر توظيف هذه التقنية فيما يخدم التنمية الوطنية الشاملة ضمن رؤية قطر 2030. 

◆ كيف ترون تأثير تقنيات الذكاء الاصطناعي على الصحة والتعليم والطاقة والاستدامة؟
¶ للذكاء الاصطناعي تأثير عميق ومتزايد في هذه القطاعات الحيوية. ففي قطاع الصحة، أحدثت تقنيات الذكاء الاصطناعي نقلة نوعية في أساليب التشخيص والعلاج؛ حيث يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل بيانات المرضى والأجهزة الطبية الضخمة لاكتشاف الأنماط والتنبؤ بالمخاطر الصحية بشكل مبكر. وهذا يعني رعاية صحية أكثر دقة ووقائية، مثل استخدام خوارزميات لتحديد أورام في صور الأشعة أو متابعة حالات مرضى الأمراض المزمنة بواسطة أجهزة قابلة للارتداء وتحليلات ذكية مثل ما طورناه في منصة «صحة» (نظام التحليلات الصحية المتكاملة (https://siha.qcri.org/ - SIHA)، وهي منصة لجمع وتخزين وتحليل بيانات الرعاية الصحية من الأجهزة القابلة للارتداء (wearables) للمساعدة في مراقبة وتحسين النتائج الصحية باستخدام الذكاء الاصطناعي). 
وفي التعليم، توفر تقنيات الذكاء الاصطناعي تجارب تعلم مخصصة وتفاعلية. على سبيل المثال، يمكن للأنظمة الذكية مساعدة المعلمين في إنشاء مناهج وأنشطة تناسب مستوى كل طالب، وتوفير مساعد افتراضي للإجابة على استفسارات الطلاب ودعمهم خارج أوقات الصف. وسيعلن المعهد في مؤتمر «وايز» عن انطلاق منصة « نُمُوِّي» (https://numue.qcri.org/) لمساعدة الطلاب والأساتذة في تعلم أمثل للغة العربية باستخدام الذكاء الاصطناعي. وهذا يؤدي إلى تحسين جودة التعليم وجعل عملية التعلم أكثر جاذبية وكفاءة. وفي قطاع الطاقة، يؤدي الذكاء الاصطناعي دورًا مهمًا في رفع كفاءة العمليات واستدامتها؛ حيث تُستخدم خوارزميات التعلّم الآلي في التنبؤ بالأعطال قبل حدوثها في شبكات الكهرباء ومعدات النفط والغاز مما يساعد على الصيانة الوقائية وتقليل فترات التوقف. كذلك، يتم توظيف الذكاء الاصطناعي في تحليل أنماط استهلاك الطاقة للمساعدة في ترشيد الاستهلاك وخفض الانبعاثات بما يدعم أهداف الاستدامة.