قال التحليل الأسبوعي لـ QNB إن الاقتصاد السنغافوري تسيطر عليه حالياً عوامل سلبية نتيجة تدهور توقعات النمو العالمي، ليبدأ في التباطؤ. وكان النمو يتراوح حول أعلى مستوياته في ثلاث سنوات بسبب العوامل الخارجية الإيجابية المرتبطة بالتوسع العالمي المتزامن وازدهار الطلب على الأجهزة الإلكترونية خلال الفترة من الربع الرابع لعام 2016 إلى الربع الثاني من عام 2018.
وقال البنك إن الصادرات الحقيقية السنغافورية تراجعت خلال الربع الأخير لأول مرة منذ أكثر من عامين. وقد ساهم هذا في حدوث انخفاض مفاجئ في نمو الناتج المحلي الإجمالي الرئيسي، وبلغت نسبة النمو 1.9% منخفضة من نسبة 2.2% المتوقعة سابقاً.
وفي ظل هذا الواقع الاقتصادي، أعلنت الحكومة السنغافورية عن بدء تنفيذ موازنة توسعية لعام 2019. وهو ما يعني أن يتحول فائض الحكومة المركزية إلى عجز. ومن المتوقع أن يأتي دافع مالي قصير الأجل بصفة أساسية من زيادة طفيفة في الاستهلاك الخاص بسبب ارتفاع التحويلات الخاصة التي تقدم للفئات ذات الدخل المنخفض. كما يتوقع أن يؤدي جزء كبير من هذه الزيادة في الإنفاق إلى خلق دافع مالي على المدى الطويل. ويرجع السبب في ذلك إلى أن المخصصات الإضافية التي تذهب لصناديق الهبات والاستئمان سيتم توزيعها كدعم للرعاية الصحية للسنغافوريين خلال فترات زمنية تتجاوز السنة المالية بكثير.
وتطرق تحليل QNB إلى 3 أسباب رئيسية للاعتماد المتوقع على سياسة مالية أكثر توسعية، سواء في المدى القصير أو على المدى الطويل.
أولاً، يحد إطار السياسة النقدية من امكانات تقديم تحفيزات نقدية في سنغافورة. وفي حين لا تعلن الهيئة صراحة عن نطاق تحرك سعر الصرف الفعلي الاسمي للدولار السنغافوري، هناك إجماع في السوق على أن نطاق الارتفاع محدد حالياً بنسبة 1.0% سنوياً، وهو لا يزال يعتبر متساهلاً. وفي حال تباطؤ الاقتصاد أكثر، يمكن لهيئة النقد السنغافورية أن تتمسك بموقفها وتقرر عدم زيادة نطاق تحرك سعر الصرف الفعلي الاسمي للدولار السنغافوري. لكن السقف مرتفع ومن الصعب عكس مسار تطبيع السياسة النقدية، خصوصاً أن توقعات التضخم لا تزال قوية وسوق العمل يشهد تشدداً قويا في السنوات الأخيرة.
ثانياً، بفضل وضعها المالي الجيد واحتياطاتها المالية الضخمة، فإن الحيز المالي لسنغافورة واسع للغاية. وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، تجاوزت الميزانية الأهداف المحددة بفضل الأداء المتفوق للإيرادات ووفورات المشاريع وتأخر التدفقات النقدية للإنفاق على التنمية. ووفقاً للدستور السنغافوري، يتوجب على الحكومة تقديم ميزانيات متوازنة لكل فترة، وهو ما يعني أن الإدارة الحالية يمكن أن تكون أكثر جرأة في عام 2020 وتقوم بصرف الفائض المتراكم الذي يتراوح بين 14 و15 مليار دولار سنغافوري. وإذا لم يتم إنفاق هذه الفوائض، فإن المبلغ سيُحتجز ضمن الاحتياطيات المالية طويلة الأجل لسنغافورة. ويُقدر أن الحكومة السنغافورية تحتفظ بما يقرب من واحد تريليون دولار أمريكي أو 200% من الناتج المحلي الإجمالي كأصول مالية، بما في ذلك 294 مليار دولار أمريكي من الاحتياطيات الرسمية بالعملات الأجنبية وأكثر من 700 مليار دولار أمريكي كأصول تحت الإدارة في صندوقين للثروة السيادية وذلك وفقاً لتقديرات معهد صناديق الثروة السيادية.
وثالثاً، من الأهمية بمكان وجود سياسة مالية أكثر مساندة لتخفيف قيود العرض على المدى المتوسط، ودعم إعادة التوازن الخارجي، ومعالجة التحديات الديمغرافية الرئيسية. وتعتبر الأموال العامة ضرورية لتعزيز إعادة الهيكلة الاقتصادية وتقديم الحوافز للشركات لزيادة الإنتاجية، بما في ذلك المزايا الضريبية للبحوث والتطوير وتوفير الموارد لتدريب العمال وإعادة التدريب. ومع ارتفاع نسبة المسنين بين السكان وارتفاع فواتير الرعاية الصحية، يصبح من الضروري زيادة الإنفاق.
وخلص التحليل إلى أن السياسة المالية تظل ميسرة، ومن المتوقع أن تتيسر أكثر خلال السنوات القادمة. ويتوقع أن تعوض السياسات الأكثر توسعاً عن التأثيرات السلبية الخارجية بالإضافة إلى تسهيل الجولات الجديدة من التحول الاقتصادي الهيكلي لسنغافورة.